في يوم آخر، إذ اتحاد اليوم والمجلس لا تأثير له في هذا، إذا لم يكن في ذكر الثاني زيادة فائدة في الأولى من الجمل، وكأن الصارين إلى المنع يساهمون هؤلاء في المقصد، ولكن اختلفت طرقهم، فاختلفت لذلك آراؤهم.
فرأى قوم أن الناقل قد يعتقد فيما سكت عنه أنه لا يغير معنى ما أورد ذكره، ولا يوهم فيه غلطا، ولكنه مع هذا يغلط في اعتقاده، فكان من الحزم حماية الذريعة، وسد الباب، والمنع على الإطلاق.
ورأى آخرون أنه متى تقدم منه أو من غيره نقل ما سكت عنه الآن، فإن ذلك يؤمن مما اعتل به هؤلاء، وسماع ما تقدم يرفع الإيهام والالتباس، وهذا تخيل أدى هؤلاء إلى الإطلاق في شرط الإباحة عندهم، ولا يخفى على أن إطلاق هذا لا يحسن، لأنا إذا كنا لم نسمع من الأستاذ تلك الرواية التي أوردها على التمام في قديم الزمان، وقعنا في الغلط، وأوهمنا نقله الباطل، ولم يكن لما سمعه غيرنا منه جدوى ولا فائدة (...)، وإنما يقرب ما قالوه من الصواب لو فرضنا هذا التكرار مرة تاما، ومرة ناقصا في حق أستاذ أسمع مرتين، وأما من التلامذه مخصوصين على وجه يعلم أنهم ذاكرون لما رووه من الرواية التامة ومعتقدون أنه أورد الرواية [تامة]، والمرة الثانية اختصارا لا رجوعا عنها.
وأما المجيزون على الإطلاق، وقد ذكرنا التأويل عليهم، وأنهم لا يجيزون مع كون المسكوت عنه موهما غلطا، فإن كان هذا مذهبهم فتوجيه هذا المذهب قد تقدم، وأما إطلاق الجواز، وإن كان اختصار الحديث يفسد، ويوهم الغلط، فلا يتصور له وجه.
وقد رأى القاضي عبد الوهاب أن الاقتصار على نقل الحكم، والسكوت عن ذكر علته جار حكمه على ما قدمناه، وأنه من قبيل ما يمنع، لما في السكوت عن ذكر العلة من الإيهام والإلباس (وا ...) الحكم، فكأن الناقل خص العام لفساد نقله، وهذا الذي قاله رحمه الله يتضح صوابه مع القول بأن ارتفاع العلة يوجب ارتفاع الحكم، لأن الراوي إذا سكت عن ذكر العلة اقتضى نقله تأبيد الحكم، وأنه لا يتغير، وإذا [حذفوا] علة وارتفعت، غيرنا نحن الحكم، وهو قد منعنا من التغيير لأجل حذف ما حذف.
ونقل أبو المعالي في هذا الباب عن الشافعي مسألتين [وهما] كالمثالين، وأمثلة هذا