الأخبار الصدقية في المدركات، والاستدلال تكون كذبا، كمن قال: العسل مر، والله ثاني اثنين ـ تعالى الله عن ذلك.
وينفرد المقطوع على كذبه بطريق أخرى لا تتلقى من العكس، وهو أن يكون الخبر يرد آحادا وشذوذا، فيما نعلمه أنه من حقه أن يشيع ويذيع ويتواتر، ويكثر له نقل الدول على الجملة، فإن ذلك من موقوف الهمم على الحديث به، وأن لا يفيد في دنيا ولا دين، وتارة يدعو استغرابه والتعجب منه إلى نقله كالزلازل والعجائب السماوية الخارقة للعادة، فإن هذا إن نقله الواحد خاصة قطع على كذبه، ومن ذلك معجزات الرسول فإن فيها هذا المعنى الداعي إلى الإشاعة، وهو الاستغراب والتعجب، ومنه ما يتعلق بأمر الدين والشرائع التي من شأن المتعبد نقل الخبر عنها والحديث بها، وهكذا فرض الصلوات الخمس، وصوم رمضان، إلى غير ذلك من قواعد الإسلام، فإن شأنه أن يكثر وينقل (ص ٢٤٥) تواترا، لأن العبادة جاءت به بأن يعلم فرضه ويتصدى من يأتي بعدنا لعلم ذلك والعمل به، ولا يتوصل إلى علم ذلك من جهة مخبر واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقطع على كذب من قال: إن الله فرض صلاة سادسة، وصوم شهر آخر، فلو قيل خبر بهذا لقطعنا على كذبه، لأنه لو كان حقا لم ينفرد هذا بنقله وعلمه، وقد بسطنا جميع هذا الأنواع فيما تقدم من هذا الكتاب، وأعدنا منها هذه النكتب لحاجتنا إليها في التصوير لما نحن فيه.
فإذا تحققت أن من الأقسام ما يقطع بكذبه إذا جاء آحادا، وأردت أمثله لهذا مما يقع الإشكال فيه، هل يلحق بهذه النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم حكما من الأحكام، نعم البلوى به وتمس الناس حاجة إلى العلم بحكمه، ويتكرر عليهم ما يقتضي السؤال عن حكمه كمس الذكر، فإنه مما يتكرر ويكثر في جملة الناس، فإذا روى واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من مسه، ولم يسمع ذلك إلا من هذا الواحد لم يعمل به لكون انفراده بهذا ريبة لعموم حاجة الناس كلهم إلى معرفة حكم هذا، وكثرة نزوله بهم، فمن حقه أن يعلمه جميعهم أو أكثرهم، وينقلون ما سمعوا به، فإذا لم ينقلوا أو نقله واحد لا أكثر دونهم استريب خبره، ولم يصح العمل به، لا سيما إذا كان الراوي لنا امرأة بخبر مس الذكر، فإن الناقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه بسرة، وهي امرأة لا حاجة لها في معرفة ذلك، ولا يصح أن يخص المرأة بذكر أحكام ذكور الرجال دون أن يعلم بذلك الرجال.
وأمثلة هذا الباب التي تنخرط في هذا السلك تكثر، والتنبيه بهذا الحديث يرشدك إلى جميعها، وفي مثل هذا اختلف الناس على قولين: