للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يقطع به، فإن التعبد به يحسن فتخيل قوم مسيس حاجة الجمهور إلى معرفة حكم يقتضي سؤالهم عنه، وإذا اقتضت الحاجة إليه سؤالهم عنه، فلابد أن يجيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أجابهم وهم خلق عظيم فمن البعيد أنلا ينقل ذلك منهم إلا رجل واحد.

ورأى الآخرون أن ذلك لا يستبعد (ص ٢٤٦)، ومن الممكن أن يكتفوا بنقل الواحد منهم عن الإضافة في نقله، أو تحدث به حوادث تقطعهم عن النقل، والأساب القاطعة عن النقل والأعذار في هذا لا تضبط ولا تحصر، وأقل ما فيه أنا لا يمكننا القطع على كذب هذا العدل الناقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحكم، كما نقطع على كذب المنفرد بنقل العجائب العامة، وإذا لم نقطع على كذبه فلا مانع من العمل بحديثه.

ويعتضد هؤلاء أيضا بأن القياس يعمل به فيما تعم به البلوى، وهو إنما يوجب الظن، فكذلك خبر الواحد يعمل به، وإن كان لا يوجب إلا ظنا هاهنا. وقد ينفصل الآخرون عنه وعن هذا الاستدال بأن يقولوا: القياس هاهنا إذا كان مما يعم صار عموم الحاجة إليه كالمعارض لنقل هذا الواحد فاستريب. ولكن للآخرين أن يقولوا: لما حسن العمل بالقياس في مثل هذا أشعر ذلك أنه من المجتهدات المظنونات، وإذا ثبت أنه من المجتهدات المظنونات حسن استعمال الظن فيه. وهاهنا ينازعهم الآخرون فيمنعون من حصول الظن بهذا الخبر، لأجل ما قررناه من الاسترابة عندهم، ولا ملجأ للآخرين إلا إنكار الاسترابة، وإبداء المعاذير التي أشرنا إليها في انفراد هذا بهذه الخبر.

وأشار ابو المعالي في الرد على من أنكر العمل بهذا إلى طريقة أخرى، وذلك أنه نظر إلى أصل علة مذهبهم فعكسها عليهم، لأنهم إنما عولوا على أن ما تعم البلوى به من حقه أن يستفيض حكمه وينتشر وينقل تواترا، وإذا تعلقنا بخبر واحد فيما تعم البلوى به، وأنكروا علينا، قيل لهم فعكس الحكم المروي يجب أن ينقل تواترا إن كان خبرنا أيضا، فإن لم ينقل اصلا عندكم ولم يستحل ألا ينقل ولا يستحيل أنينقل الحكم الآخر آحادا، لأن قصارى ما فيه عدم التواتر سلمتم عدمه من أحد الطرفين، والطرف الآخر لم يروه إلا واحد فقبوله أقرب إلى ما تشيرون إليه من رده، لأنا إن رددناه واستكذبناه صار ما تعم البلوى به غير منقول فيه حكم أصلا، وإذا صح ألا ينقل فيه حكم أصلا، ولم يستحل ذلك، فأحرى وأولى ألا يستحيل انفراد واحد بنقل فيه. ألا ترى أن مس الذكر مما تعم البلوى به، ونقل فيه حديث بسرة، وفيه الأمر بالوضوء، ومذهبهم ألا وضوء فيه، فيجب على اعتلالهم أن يكون إسقاط الوضوء منقولا تواترا، وقد علم أنه ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إسقاط الوضوء منه نقلا متواترا من هذا الطرف الذي هم عليه، فما المانع أن ينقل آحادا، ولا ينقل تواترا من الطرف الآخر الذي نحن عليه، واعتلالهم بأن بسرة امرأة لا يحسن خصوصها بذكر

<<  <   >  >>