السواد من أوصافه أنه معلوم، ولكن ليس فوق هذا الوصف ما هو أعم منه، لأنه وصف ينطلق على المعلوم والموجود، فإذا علم وصف آخر يميزه به عن المعدوم علمه موجودا، لكن الموجود الله سبحانه ومخلوقاته، فإذا علم وصف آخر وهو حدوثه، انفصل هذا المعلوم انفصالا آخر، لكن إذا علم كون هذا المحدث عرضا انفصل المعلوم انفصالاً آخر، لكونه قد تميز عن الجواهر، فإذا علم أن هذا العرض لون انفصل هذا المعلوم أيضًا عن بقية الأعراض، وإذا علمه سوادا انفصل هذا المعلوم عن بقية الألوان فمن علم سواد جوهر بعينه، فليس تحت هذا المعلوم ما هو أخص منه.
وهذه الأوصاف المشار بالجملة منها إلى التعميم، وبالتفصيل إلى التخصيص، فكونه لونا، خاص بالنسبة إلى كونه عرضا، عام بالنسبة إلى كونه سوادا، وليس من شرط من علم الوصف العام أن يجهل الخاص، وهذا يتضمن فلابد صحة ما قاله الأشعري من أن العلم على الجملة لا يقارنه الجهل بالتفصيل ضربة لازم، لأنا نعلم كون هذا العرض عرضا، ونجهل كونه سوادا، وتارة نعلم كونه عرضا ونعلم كونه سوادا، فقد اتضح أنه ليس من ضرورة العلم بالوصف العام، الجهل بالوصف الخاص.
فالذي قاله القاضي لا وجه له، لما بيناه، إلا أن يكون قصد المشاحة في العبارة، وذلك أنه يقول لا يسمى العالم بالوصف العام عالما بالجملة، إلا إذا جهل الوصف الخاص، وأما إذا علمه مع علمه بالوصف العام فلا أسميه عالمًا على الجملة، وامنع أن يقال إن الله سبحانه عالم على الجملة لما أشعر به هذا الإطلاق من الجهل بالتفصيل، فيعود ذلك بينه وبين الشيخ أبي الحسن اختلافا في عبارة.
وإذا وضحت هذه الحقائق، واستبان معنى العلم بالجملة والتفصيل، استبان منه القطع على فساد ما أشار إليه أبو المعالي من أن الله سبحانه يسترسل علمه على ما لا يتناهى من غير تعلق بتفاصيل آحاده، وذلك أنا إذا قلنا الله سبحانه يعلم نعيم أهل الجنة، وذلك لا آخر له، ولا نهاية، فإذا فرضناه عالما بشرب رجل من أهل الجنة كأس رحيق، وبشربه كأسا آخر، بعد ذلك، هكذا لغير آخر، فلابد أن نقول إن الكأس الأول متميز عن الثاني بجميع أوصافه الخاصة والعامة، والله سبحانه يعلم منه جميع هذه الأوصاف الخاصة والعامة، أو لا يعلم ذلك؟
فإن قال: إنه لا يتميز شرب كأس عن شرب كأس فقد كابر، (...) وإن قال: يتميز شرب بأوصاف [اختلف] بها عن صاحبه، والباري سبحانه عالم بجميع، قيل له فما