{دِيَارِهِمْ} {أَحْيَاهُمْ}
(٢٤٣) - يَقُولُ المُفَسِّرُونَ أنَّ قَوْماً خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَاراً مِنْ وَبَاءٍ أَوْ مَرَضٍ حَلَّ بِهَا أَوْ خَوْفاً مِنْ عَدُوٍّ مُهَاجِمٍ وَهُمْ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ تَدْعُو كَثْرَتُهُمْ إلى الشَّجَاعَةِ وَالاطْمِئْنانِ إلى القُدْرَةِ عَلَى الدِّفاعِ عَنِ الأهْلِ وَالوَطَنِ وَالعِرْضِ، لا إلى الهَلَعِ وَالخَوْفِ، الذي يَحْمِلُ الخَائِفَ عَلَى الهَرَبِ لا يَلْوِي عَلَى شَيءٍ. وَقِيلَ إنَّ هَؤُلاءِ الهَارِبينَ مِنْ دِيَارِهِمْ حَذَرَ المَوْتِ نَزَلُوا وَادِياً فَأمَرَهُمُ اللهُ بِالمَوْتِ فَمَاتُوا جَمِيعاً. ثُمَّ مَرَّ نَبِيٌّ فَدَعا اللهَ أنْ يُحْييَهُمْ عَلَى يَدَيهِ، فَأحيَاهُمْ لِيَكُونُوا عِظَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُمْ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أنَّهُ لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ. وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُرِيهِمْ مِنْ آيَاتِهِ وَحُجَجِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَقُومُونَ بِشُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ، وَأَفْضَالِهِ.
(وَقَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إنَّ هَذَا مَثَلٌ لا قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ وَهُوَ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلاءِ الأُلُوفُ الَّذِينَ دَبَّ الذُّعْرُ فِيهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ فَخَرجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ هَارِبينَ، فَجَاءَ أعْدَاؤُهم وَفَتكُوا بِهِمْ، وَفَرَّقُوا شَمْلَهُمْ، وَأصْبَحَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ خَاضِعاً لِلْغَالِبينَ، ثُمَّ أحْيَاهُمُ اللهُ بَعْدَ أنْ يَسَّرَ لَهُمْ جَمْعَ كَلِمَتِهِمْ، وَتَوْثيقَ رَوَابِطِهِمْ، فَقَامُوا بِمَا يَتَوَجَّبُ عَلَيهِمْ مِنْ مُجَاهَدَةِ أعْدَائِهِمْ، وَبَذْلِ الأنْفُسِ وَالأمْوَالِ فِي سَبيلِ الجَمَاعَةِ، فَخُرَجُوا مِنْ ذُلِّ العُبُودِيَّةِ إلى رِيَاضِ الحُرِّيَّةِ، وَكَانَ كُلُّ الذِي أصَابَهُمْ مِنَ البَلاَءِ تَأدِيباً لَهُمْ وَعِظَةً) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute