{فأولئك} {الظالمون}
(٤٥) - جَاءَتِ التَّوْرَاةُ بِشِرْعَةِ القِصَاصِ: فَالنَّفْسُ تُقْتَلُ بِالنَّفْسِ، وَلَكِنَّ اليَهُودَ يُخَالِفُونَ هَذا الحُكْمَ عَمْداً وَعِنَاداً: فَقَدْ كَانَتْ قَبِيلَتَا بَنِي النَّضِيرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ تَتَحَارَبَانِ وَتَتَقَاتَلاَنِ، وَكَانَتْ قَبِيْلَةَ بَنِي النَّضِيرِ قَوِيَّةً عَزِيزَةَ الجَانِبِ، وَكَانَ بَنُو قُرَيْظَةَ ضُعَفَاءَ أَذِلاَّءَ، فَكَانَ النَّضِيرِيُّ إذَا قَتَلَ قُرَظِّياً، لَمْ يَكُنْ لِيَقْتُلَ بِهِ، بَلْ يُعْدِلُ فِيهِ إلى الدِّيَةِ. أمَّا إذَا قَتَلَ القُرَظِيُّ نَضيرِيّاً، فَكَانَ يُقْتَلُ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ.
كَمَا خَالَفُوا حُكْمَ التَّوْرَاةِ فِي تَرْكِ رَجْمِ الزَّانِي المُحْصَنِ، كَمَا أمَرَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ، وَعَدَلُوا عَنْهُ إلى الجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ. وَقَضَتِ التَّوْرَاةُ بِأنْ تُفْقَأ العَيْنُ بِالعَيْنِ، وَبِأنْ يُجْدَعَ الأَنْفُ بِالأَنْفِ، وَأنْ تُصْلَمَ الأذْنُ بِالأذْنِ، وَأنْ تُنزعَ السِّنُّ بِالسِّنِّ.
أمَّا الجِرَاحُ فَيَتِمُّ فِيهَا القِصَاصُ إذا كَانَتْ فِي مِفْصَلٍ، فَقُتْطَعُ اليَدُ وَالرِّجْلُ وَالكَفُّ وَالقَدَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أمًّا إذَا كَانَ الجُرْحُ فِي عَظْمٍ وَلَيْسَ فِي مِفْصَلٍ، فَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّطْبِيقِ.
فَمَنْ عَفَا وَتَصَدَّقَ بِحَقّهِ فِي القِصَاصِ عَلَى الجَانِي، كَانَ التَّصَدُّقُ كَفَّارَةً لَهُ يَمْحُو اللهُ بِهَا قَدْراً مِنْ ذُنُوبِهِ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كُتُبِهِ مِنْ شْرعٍ، فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، لأنَّهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا المَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، فِي أَمْرٍ أَمَرَ اللهُ بِالعَدْلِ وَالمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ جَميعِ خَلْقِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute