للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف الجزء بوصف الكل، أو يراد بالقصر الحبس كما في قوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ [الرحمن:

٧٢] أو يراد بالصلاة الجنس ليكون المقصود بعضا منها وهي الرباعية أي فليس عليكم جناح في أن تقصروا بعض الصلاة بتنصيفها، وقرىء «تقصروا» من أقصر ومصدره الإقصار.

وقرأ الزهري «تقصروا» بالتشديد ومصدره التقصير والكل بمعنى، وأدنى مدة السفر الذي يتعلق به القصر في المشهور- عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه- مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل، ومشي الأقدام بالاقتصاد في البر، وجري السفينة والريح معتدلة في البحر، ويعتبر في الجبل كون هذه المسافة من طريق الجبل بالسير الوسط أيضا، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه التقدير بالمراحل وهو قريب من المشهور.

وقدر أبو يوسف بيومين وأكثر الثالث، والشافعي رحمه الله تعالى في قول: بيوم وليلة، وقدر عامة المشايخ ذلك بالفراسخ، ثم اختلفوا فقال بعضهم: أحد وعشرون فرسخا.

وقال آخرون ثمانية عشر، وآخرون خمسة عشر، والصحيح عدم التقدير بذلك، ولعل كل من قدر بقدر مما ذكر اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، والدليل على هذه المدة ما صح من

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يمسح المقيم كمال يوم وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها»

لأنه صلّى الله عليه وسلّم عمم الرخصة الجنس، ومن ضرورته عموم التقدير، والقول بكون «ثلاثة أيام» ظرفا للمسافر لا ليمسح يأباه أن السوق ليس إلا لبيان كمية مسح المسافر لا لإطلاقه، وعلى تقدير كونه ظرفا للمسافر يكون يمسح مطلقا وليس بمقصود، وأيضا يبطل كونه ظرفا لذلك أن المقيم يمسح يوما وليلة إذ يلزم عليه اتحاد حكم السفر والإقامة في بعض الصور وهي صورة مسافر يوم وليلة لأنه إنما يمسح يوما وليلة وهو معلوم البطلان للعلم بفرق الشرع بين المسافر والمقيم على أن ظرفية «ثلاثة» للمسافر تستدعي ظرفية اليوم للمقيم ليتفق طرفا الحديث، وحينئذ- يكون لا يكاد ينسب إلى أفصح من نطق بالضاد صلّى الله عليه وسلّم، وربما يستدل للقصر في أقل من ثلاثة بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: «يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» فإنه يفيد القصر في الأربعة برد وهي تقطع في أقل من ثلاثة، وأجيب بأن راوي الحديث عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف عند النقلة جدا حتى كان سفيان يزريه بالكذب فليفهم، واحتج الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بظاهر الآية الكريمة على عدم وجوب القصر وأفضلية الإتمام، وأيد ذلك بما

أخرجه ابن أبي شيبة والبزار والدارقطني عن عائشة رضي الله تعالى عنها «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقصر في السفر ويتم»

وما

أخرجه النسائي والدارقطني وحسنه البيهقي وصححه «أن عائشة رضي الله تعالى عنها لما اعتمرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت: يا رسول الله قصرت وأتممت وصمت وأفطرت؟ فقال: أحسنت يا عائشة»

وبما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه كان يتم ويقصر، وعندنا يجب القصر لا محالة خلا أن بعض مشايخنا سماه عزيمة، وبعضهم رخصة إسقاط بحيث لا مساغ للإتمام لا رخصة توفية إذ لا معنى للتخيير بين الأخف والأثقل، وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وجابر وجميع أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة، وهو قول مالك، وأخرج النسائي وابن ماجه عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: «صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم عليه الصلاة والسلام» وروى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «أول ما فرض الله تعالى الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر» وأما ما روي عنها من الإتمام فقد اعتذرت عنه وقالت: أنا أم المؤمنين فحيث حللت فهي داري كما اعتذر عثمان رضي الله تعالى عنه من إتمامه بأنه تأهل بمكة وأزمع الإقامة بها كما روي عن الزهري فلا يرد أنها رضي الله تعالى عنها خالف رأيها روايتها، وإذا خالف الراوي روايته في أمر لا يعمل بروايته فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>