والقول: بأن حديثها غير مرفوع لأنها لم تشهد فرض الصلاة غير مسلم لجواز أنها سمعته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، نعم ذكر بعض الشافعية أن الخبر مؤول بأن الفرض في قولها:«فرضت ركعتين» بمعنى البيان وقد ورد بهذا المعنى ك فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: ٢] .
وقال الطبري: معناه فرضت لمن اختار ذلك من المسافرين، وهذا كما قيل في الحاج: إنه مخير في النفر في اليوم الثاني والثالث، وأيا فعل فقد قام الفرض وكان صوابا، وقال النووي: المعنى فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في الحضر ركعتان على سبيل التحتم، وأقرت صلاة السفر على جواز الإتمام وحيث ثبتت دلائل الإتمام وجب المصير إلى ذلك جمعا بين الأدلة، وقال ابن حجر عليه الرحمة: والذي يظهر لي في جمع الأدلة أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما رواه ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن عائشة، وفيه: وتركت الفجر لطول القراءة والمغرب لأنها وتر النهار، ثم بعد ما استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية، ويؤيده قول ابن الأثير: إن القصر كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ من قول غيره: إن نزول آية الخوف فيها، وقيل: القصر كان في ربيع الآخر من السنة الثانية كما ذكره الدولابي، وقال السهيلي: إنه بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يوما فعلى هذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة انتهى.
واستبعد هذا الجمع بأنها لو كانت قبل الهجرة ركعتين لاشتهر ذلك، وقال آخرون منهم: إن الآية صريحة في عدم وجوب الإتمام، وما ذكر خبر واحد فلا يعارض النص الصريح على أنه مخصوص بغير الصبح والمغرب، وحجية العام المخصوص مختلف فيها، وذكر أصحابنا أن كثرة الأخبار، وعمل الجم الغفير من الصحابة والتابعين وجميع العترة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بها يقوي القول بالوجوب ووردوه بنفي الجناح لأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر فصرح بنفي الجناح عليهم لتطيب به نفوسهم وتطمئن إليه كما في قوله تعالى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة: ١٥٨] مع أن ذلك الطواف واجب عندنا، ركن عند الشافعي رحمه الله تعالى، وعن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أنه تلا هذه الآية لمن استبعد الوجوب بنفي الجناح إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا جوابه محذوف لدلالة ما قبل عليه أي إن خفتم أن يتعرضوا لكم بما تكرهونه من القتال أو غيره فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ إلخ، وقد أخذ بعضهم بظاهر هذا الشرط فقصر القصر على الخوف، وأخرج ابن جرير عن عائشة رضي الله تعالى عنها، والذي عليه الأئمة أن القصر مشروع في الأمن أيضا وقد تظاهرت الأخبار على ذلك
فقد أخرج النسائي، والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:«صلينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين»
وأخرج الشيخان، وغيرهما من أصحاب السنن عن حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال:«صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين»
إلى غير ذلك، ولا يتوهمن أنه مخالف للكتاب لأن التقييد بالشرط عندنا إنما يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط، وأما عدمه عند عدمه فساكت عنه فإن وجد له دليل ثبت عنده أيضا، وإلا يبقى على حاله لعدم تحقق دليله لا لتحقق دليل عدمه.
وناهيك ما سمعت من الأدلة الواضحة، وأما عند القائلين بالمفهوم فلأنه إنما على نفي الحكم عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه فائدة أخرى، وقد خرج الشرط هاهنا مخرج الأغلب كما قيل في قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما