هل كان محتاجا لشرب لبانها ... أو أن يربى في مواطن حجرها
جعلوه ربا جوهرا من جوهر ... ذهبوا لما لا يرتضيه أولو النهى
قالوا: وجاء من السماء عناية ... لخلاص آدم من لظاه وحرها
قد تاب آدم توبة مقبولة ... فضلا لهم جعل الفداء بغيرها
لو جاء في ظلل الغمام وحوله ... شرفا ملائكة السماء بأسرها
وفدى الذي بيديه أحكم طينه ... بالعفو عن كل الأمور وسترها
ثم اجتباه محببا ومفضلا ... ووقاه من غيّ النفوس وشرها
كنتم تحلون الإله مقامه ... فيما تراه نفوسكم من شركها
من غير أن يحتاج في تلخيصه ... كل الخلائق أن تبوء بضرها
ويشينه الأعداء بما لا يرتضي ... من كيدها وبما دهى من مكرها
هذي أمانتهم وهذا شرحها ... الله أكبر من معاني كفرها
ثم اعلم أنه لا حجة للنصارى القائلين بالتثليث بما روي عن متى التلميذ أنه قال: إن المسيح عند ما ودعهم قال: اذهبوا وعمدوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس، ومن هنا جعلوا مفتتح الإنجيل ذلك كما أن مفتتح القرآن بسم الله الرحمن الرحيم، ويوهم كلام بعض منا أن هذه التسمية نزلت من السماء كالبسملة عندنا لأنا نقول- على تقدير صحة الرواية، ودونها خرط القتاد: يحتمل أن يراد بالأب المبدأ، فإن القدماء كانوا يسمون المبادئ بالآباء، ومن الابن الرسول، وسمي بذلك تشريفا وإكراما كما سمي إبراهيم عليه السلام خليلا، أو باعتبار أنهم يسمون الآثار أبناء،
وقد رووا عن المسيح عليه السلام أنه قال: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وقال: لا تعطوا صدقاتكم قدّام الناس لتراءوهم فإنه لا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء.
وربما يقال: إن الابن بمعنى الحبيب أو نحوه، ويشير إلى ذلك ما
رووه أنه عليه السلام قال عقيب وصية وصى بها الحواريين: لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء وتكونوا تامّين كما أن أباكم الذي في السماء تام،
ويراد بروح القدس جبريل عليه السلام، والمعنى عمدوا ببركة الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والملك المؤيد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام على تبليغ أوامر ربهم، وفي كشف الغين عن الفرق بين البسملتين للشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره أن بسملة النصارى مشيرة إلى ثلاث حضرات للأمر الإلهي الواحد الأحد: الغيب المطلق، فالأب إشارة إلى الروح الذي هو أول مخلوق لله تعالى كما في الخبر وهو المسمى بالعقل والقلم والحقيقة المحمدية، ويضاف إلى الله تعالى فيقال: روح الله تعالى للتشريف والتعظيم ك (ناقة الله) تعالى، وروح القدس إشارة إليه أيضا باعتبار ظهوره بصورة البشر السوي النافخ في درع مريم عليها السلام، والابن إشارة إلى عيسى عليه السلام وهو ابن لذلك الروح باعتبار أن تكوّنه بسبب نفخه، والأب هو الابن، والابن هو روح القدس في الحقيقة والغيب المطلق منزه مقدس عن هذه الثلاثة، فإنه سبحانه من حيث هو لا شيء معه ولا يمكن أن يكون معه شيء، فبسملة الإنجيل من مقام الصفات الإلهية والأسماء الربانية لا من مقام الذات الأقدسية.
ثم لا يتوهمن أن كلمات ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم تدندن حول كلمات النصارى كما يزعمه من لا اطلاع له على تحقيق كلامهم ولا ذوق له في مشربهم، وذلك لأن القوم نفعنا الله تعالى بهم مبرؤون عما نسبه