وجوز في ما في جميع هذا القراءات أن تكون استفهامية و «السحر» خبر مبتدأ محذوف. وقرأ أبو عمرو، وأبو جعفر «آلسحر» بقطع الألف ومدها على الاستفهام- فما- استفهامية مرفوعة على الابتداء وجِئْتُمْ بِهِ خبرها و «السحر» خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، أي شيء جسيم جئتم به أهو السحر أو السحر هو، وقد يجعل السحر بدلا من ما كما تقول ما عندك أدينار أم درهم، وقد تجعل «ما» نصبا بفعل محذوف يقدر بعدها أي أي شيء أتيتم به وجِئْتُمْ بِهِ مفسر له وفي «السحر» الوجهان الأولان.
وجوز أن تكون موصولة مبتدأ والجملة الاسمية أي أهو السحر أو السحر هو خبره، وفيه الإخبار بالجملة الإنشائية، ولا يجوز أن تكون على هذا التقدير منصوبة بفعل محذوف يفسره المذكور لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملا إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ أي سيمحقه بالكلية بما يظهره على يدي من المعجزة فلا يبقى له أثر أصلا أو سيظهر بطلانه وفساده للناس، والسين للتأكيد إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ أي جنسهم على الإطلاق فيدخل فيه السحرة دخولا أولياء، ويجوز أن يراد بالمفسدين المخاطبون فيكون من وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالإفساد والإشعار بعلة الحكم، والجملة تذييل لتعليل ما قبلها وتأكيده، والمراد بعدم إصلاح ذلك عدم إثباته أو عدم تقويته بالتأييد الإلهي لا عدم جعل الفاسد صالحا لظهور أن ذلك مما لا يكون أي إنه سبحانه لا يثبت عمل المفسدين ولا يديمه بل يزيله ويمحقه أو لا يقويه ولا يؤيده بل يظهر بطلانه ويجعله معلوما.
واستدل بالآية على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له. وأنت تعلم أن في إطلاق القول بأن السحر لا حقيقة له بحثا، والحق أن منه ما له حقيقة ومنه ما هو تخيل باطل ويسمى شعبذة وشعوذة وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ أي يثبته ويقويه وهو عطف على قوله سبحانه: سَيُبْطِلُهُ وإظهار الاسم الجليل في المقامين لإلقاء الروعة وتربية المهابة بِكَلِماتِهِ أي بأوامره وقضاياه، وعن الحسن أي بوعده النصر لمن جاء به وهو سبحانه لا يخلف ذلك، وعن الجبائي أي بما ينزله مبينا لمعاني الآيات التي أتى بها نبيه عليه السلام. وقرىء «بكلمته» وفسرت بالأمر واحد الأوامر حسبما فسرت الكلمات بالأوامر وأريد منها الجنس فيتطابق القراءتان، وقيل: يحتمل أن يراد بها قول كن وأن يراد بها الأمر واحد الأمور ويراد بالكلمات الأمور والشؤون وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك، والمراد بهم كل من اتصف بالإجرام من السحرة وغيرهم فَما آمَنَ لِمُوسى عطف على مقدر فصل في موضع آخر أي فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ [الشعراء: ٤٥] إلخ، وإنما لم يذكر تعويلا على ذلك وإيثارا للإيجاز وإيذانا بأن قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ مما لا يحتمل الخلف أصلا، ولعل عطفه على ذلك بالفاء باعتبار الإيجاب الحادث الذي هو أحد مفهومي الحصر، فإنهم قالوا: معنى ما قام إلا زيد قام زيد ولم يقم غيره، وبعضهم لم يعتبر ذلك وقال: إن عطفه بالفاء على ذلك مع كونه عدما مستمرا من قبيل ما في قوله تعالى: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وما في قولك: وعظته فلم يتعظ- وصحت به فلم ينزجر، والسر في ذلك أن الإتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث أي فما آمن له عليه السلام في مبدأ أمره إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أي إلا أولاد بعض بني إسرائيل حيث دعا عليه السلام الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون وأجابته طائفة من شبانهم، فالمراد من الذرية الشبان لا الأطفال.
ومِنْ للتبعيض، وجوز أن تكون للابتداء والتبعيض مستفاد من التنوين، والضمير لموسى عليه السلام كما هو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرج ابن جرير عنه أن الضمير لفرعون وبه قال جمع، فالمؤمنون من غير بني إسرائيل ومنهم زوجته آسية وما شطته ومؤمن آل فرعون والخازن وامرأته، وفي إطلاق الذرية على