للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء نوع خفاء. ورجح بعضهم إرجاع الضمير لموسى عليه السلام بأنه المحدث عنه وبأن المناسب على القول الآخر الإضمار فيما بعد، ورجح ابن عطية إرجاع الضمير لفرعون بأن المعروف في القصص أن بني إسرائيل كانوا في قهر فرعون وكانوا قد بشروا بأن خلاصهم على يد مولود يكون نبيا صفته كذا كذا فلما ظهر موسى عليه السلام اتبعوه ولم يعرف أن أحدا منهم خالفه فالظاهر القول الثاني، وما ذكر من أن المحدث عنه موسى عليه السلام لا يخلو عن شيء، فإن القائل أن يقابل ذلك بأن الكلام في قوم فرعون لأنهم القائلون إنه ساحر ولأن وعظ أهل مكة وتخويفهم المسوق له الآيات قاض بأن المقصود هنا شرح أحوالهم. وأنت تعلم أن للبحث في هذا مجالا والمعروف بعد تسليم كونه معروفا لا يضر القول الأول لأن المراد حينئذ فما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من بني إسرائيل دون غيرهم فإنهم أخفوه ولم يظهروه عَلى خَوْفٍ حال من ذرية وعَلى بمعنى مع كما قيل في قوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة: ١٧٧] والتنوين للتعظيم أي كائنين مع خوف عظيم مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الضمير لفرعون، والجمع عند غير واحد على ما هو المعتاد في ضمائر العظماء. ورد بأن الواو في كلام العرب الجمع في ضمير المتكلم كنحن وضمير المخاطب كما في قوله تعالى: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون: ٩٩] وقوله:

ألا فارحموني يا إله محمد ولم ينقل في ضمير الغائب كما نقل عن الرضي، وأجيب بأن الثعالبي، والفارسي نقلاه في الغائب أيضا والمثبت مقدم على النافي، وبأنه لا يناسب تعظيم فرعون فإن كان على زعمه وزعم قومه فإنما يحسن في كلام ذكر أنه محكي عنهم وليس فليس، ويجاب بأن المراد من التعظيم تنزيله منزلة المتعدد، وكونه لا يناسب في حيز المنع، لم لا يجوز أن يكون مناسبا لما فيه من الإشارة إلى مزيد عظم الخوف المتضمن زيادة مدح المؤمنين؟ وقيل: إن ذلك وارد على عادتهم في محاوراتهم في مجرد جمع ضمير العظماء وإن لم يقصد التعظيم أصلا فتأمله وجوز أن يكون الجمع لأن المراد من فِرْعَوْنَ آله كما يقال: ربيعة، ومضر، واعترض عليه بأن هذا إنما عرف في القبيلة وأبيها إذ يطلق اسم الأب عليهم وفرعون ليس من هذا القبيل، على أنه قد قيل: إن إطلاق أبي نحو القبيلة عليها لا يجوز ما لم يسمع ويتحقق جعله علما لها، ألا تراهم لا يقولون: فلان من هاشم ولا من عبد المطلب بل من بني هاشم وبني عبد المطلب فكيف يراد من فرعون آله ولم يتحقق فيه جعله علما لهم، ودعوى التحقق هنا أول المسألة فالقول بأن الجمع لأن المراد به آله كربيعة ليس بشيء إلا أن يراد أن فرعون ونحوه من الملوك إذا ذكر خطر بالبال خطر اتباعه معه فعاد الضمير على ما في الذهن، وتمثيله بما ذكر لأنه نظيره في الجملة، ثم إنه لا يخفى أنه إذا أريد من فرعون آله ينبغي أن يراد من آلِ فِرْعَوْنَ فرعون وآله على التغليب، وقيل: إن الكلام على حذف مضاف أي آل فرعون فالضمير راجع إلى ذلك المحذوف، وفيه أن الحذف يعتمد القرينة ولا قرينة هنا، وضمير الجمع يحتمل رجوعه لغير ذلك المحذوف كما ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى فلا يصلح لأن يكون قرينة، وأما أن المحذوف لا يعود إليه ضمير كما قال أبو البقاء فليس بذاك لأنه إن أريد أنه لا يعود إليه مطلقا فغير صحيح وإن أريد إذا حذف لقرينة فممنوع لأنه حينئذ في قوة المذكور، وقد كثر عود الضمير إليه كذلك في كلام العرب، وقريب من هذا القيل زعم أن هناك معطوفا محذوفا إليه يعود الضمير أي على خوف من فرعون وقومه وملئهم، ويرد عليه أيضا ما قيل: إن هذا الحذف ضعيف غير مطرد.

وقيل: الضمير للذرية أو للقوم أي على خوف من فرعون ومن أشراف بني إسرائيل حيث كانوا يمنعونهم خوفا من فرعون عليهم أو على أنفسهم، أو من أشراف القبط ورؤسائهم حيث كانوا يمنعونهم انتصارا لفرعون، ولعل المنساق إلى الذهن رجوعه إلى الذرية والجمع باعتبار المعنى، ويؤول المعنى إلى أنهم آمنوا على خوف من فرعون ومن أشراف

<<  <  ج: ص:  >  >>