عمرو «لتخذت» بتاء مفتوحة وخاء مكسورة أي لأخذت، وأظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الذال وأدغمها باقي السبعة قالَ الخضر عليه السّلام هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ على إضافة المصدر إلى الظرف اتساعا، وأين الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر.
وقرأ ابن أبي عبلة «فراق بيني» بالتنوين ونصب بين على الظرفية، وأعيد بين وإن كان لا يضاف إلى لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، قال أبو حيان: والعدول عن بيننا لمعنى التأكيد والإشارة إلى الفراق المدلول عليه بقوله قبل فَلا تُصاحِبْنِي والحمل مفيد لأن المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر الفراق باعتبار أنه في الخارج كما قيل أو إلى الوقت الحاضر أي هذا الوقت وقت فراقنا أو إلى الاعتراض الثالث أي هذا الاعتراض سبب فراقنا حسبما طلبت، فوجه تخصيص الفراق بالثالث ظاهر.
وقال العلامة الأول: إنما كان هذا سبب الفراق دون الأولين لأن ظاهرهما منكر فكان معذورا بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسيء بل يحمد. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في وجهه أن قول موسى عليه السّلام في السفينة والغلام كان لله تعالى، وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق، وحكى القشيري نحوه عن بعضهم. ورد ذلك في الكشف بأنه لا يليق بجلالتهما ولعل الخبر عن الحبر غير صحيح، ونقل في البحر عن أرباب المعاني أن هذه الأمور التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى عليه السّلام وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم؟ ولما أنكر قتل الغلام قيل له أين إنكارك هذا ووكز القبطي والقضاء عليه؟ ولما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنتي شعيب عليه السّلام بدون أجرة؟ ورأيت أنا
في بعض الكتب أن الخضر عليه السّلام قال: يا موسى اعترضت علي بخرق السفينة وأنت ألقيت ألواح التوراة فتكسرت واعترضت علي بقتل الغلام وأنت وكزت القبطي فقضي عليه واعترضت علي بإقامة الجدار بلا أجر وأنت سقيت لبنتي شعيب أغنامهما بلا أجر فمن فعل نحو ما فعلت لن يعترض علي
، والظاهر أن شيئا من ذلك لا يصح والفرق ظاهر بين ما صدر من موسى عليه السّلام وما صدر من الخضر وهو أجل من أن يحتج على صاحب التوراة بمثل ذلك كما لا يخفى.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أبي عبد الله وأظنه الملطي قال: لما أراد الخضر أن يفارق موسى قال له: أوصني قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا كن بشاشيا ولا تكن غضبانا ارجع عن اللجاجة ولا تمش من غير حاجة ولا تعير أمرا بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال: بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه: يا موسى تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به، وبلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي فقال الخضر: يسر الله تعالى عليك طاعته
والله تعالى أعلم بصحة ذلك أيضا.
سَأُنَبِّئُكَ وقرأ ابن أبي وثاب «سانبيك» بإخلاص الياء من غير همز، والسين للتأكيد لعدم تراخي الإنباء أي أخبرك البتة بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً والظاهر أن هذا لم يكن عن طلب من موسى عليه السّلام، وقيل: إنه لما عزم الخضر على فراقه أخذ بثيابه وقال: لا أفارقك حتى تخبرني بما أباح لك فعل ما فعلت ودعاك إليه فقال سَأُنَبِّئُكَ والتأويل رد الشيء إلى مآله، والمراد به هنا المآل والعاقبة إذ هو المنبأ به دون التأويل بالمعنى المذكور، وما عبارة عن الأفعال الصادرة من الخضر عليه السّلام وهي خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، ومآلها خلاص السفينة من اليد الغاصبة وخلاص أبوي الغلام من شره مع الفوز بالبدل الأحسن واستخراج اليتيمين للكنز، وفي جعل