واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة ويجوز ذلك في الأجرام التي لا وجه لها مثل حجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر، وقيل: أي خلفهم كما هو المشهور في معنى وراء.
واعترض بأنه إذا كان خلفهم فقد سلموا منه، وأجيب بأن المراد أنه خلفهم مدرك لهم ومارّ بهم أو بأن رجوعهم عليه واسمه على ما يزعمون هدد بن بدد وكان كافرا، وقيل: جلندي بن كركر ملك غسان، وقيل: مفواد بن الجلند ابن سعيد الأزدي وكان بجزيرة الأندلس يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ أي صالحة وقد قرأ كذلك أبي بن كعب، ولو أبقي العموم على ظاهره لم يكن للتعييب فائدة غَصْباً من أصحابها، وانتصابه على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ، والظاهر أنه كان يغصب السفن من أصحابها ثم لا يردها عليهم، وقيل: كان يسخرها ثم يردها، والفاء في فَأَرَدْتُ للتفريع فيفيد أن سبب إرادة التعييب كونها لقوم مساكين عجزة لكن لما كانت مناسبة هذا السبب للمسبب خفية بين ذلك بذكر عادة الملك في غصب السفن، ومآل المعنى أما السفينة فكانت لقوم مساكين عجزة يكتسبون بها فأردت بما فعلت إعانتهم على ما يخافونه ويعجزون عن دفعه من غصب ملك وراءهم عادته غصب السفن الصالحة، وذكر بعضهم أن السبب مجموع الأمرين المسكنة والغصب إلا أنه وسط التفريع بين الأمرين وكان الظاهر تأخيره عنهما للغاية به من حيث إن ذلك الفعل كان هو المنكر المحتاج إلى بيان تأويله وللإيذان بأن الأقوى في السببية هو الأمر الأول ولذلك لم يبال بتخليص سفن سائر الناس مع تحقق الجزء الأخير من السبب ولأن في تأخيره فصلا بين السفينة وضميرها مع توهم رجوعه إلى الأقرب فليفهم، وظاهر الآية أن موسى عليه السّلام ما علم تأويل هذا الفعل قبل.
ويشكل عليه ما جاء عن الربيع أن الخضر عليه السّلام بعد أن خرق السفينة وسلمت من الملك الظالم أقبل على أصحابها فقال: إنما أردت الذي هو خير لكم فحمدوا رأيه وأصلحها لهم كما كانت فإنه ظاهر في أنه عليه السّلام أوقفهم على حقيقة الأمر، والظاهر أن موسى عليه السّلام كان حاضرا يسمع ذلك، وقد يقال: إن هذا الخبر لا يعول عليه واحتمال صحته مع عدم سماع موسى عليه السّلام مما لا يلتفت إليه وَأَمَّا الْغُلامُ الذي قتله فَكانَ أَبَواهُ أي أبوه وأمه ففيه تغليب واسم الأب على ما في الإتقان كأزير والأم سهوا، وفي مصحف أبي وقراءة ابن عباس «وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه» مُؤْمِنَيْنِ والمعنى على ذلك في قراءة السبعة إلا أنه ترك التصريح بكفره إشعارا بعدم الحاجة إلى الذكر لظهوره واستدل بتلك القراءة من قال: إن الغلام كان بالغا لأن الصغير لا يوصف بكفر وإيمان حقيقيين. وأجاب النووي عن ذلك بوجهين، الأول أن القراءة شاذة لا حجة فيها، الثاني أنه سماه بما يؤول إليه لو عاش وفي صحيح مسلم أن الغلام طبع يوم طبع كافرا وأول بنحو هذا وكذا ما مر من خبر صاحب العرس والعرائس لكن في صحته توقف عندي لأنه ربما يقتضي بظاهره علم موسى عليه السّلام بتأويل القتل قبل الفراق، وعلى ما سمعت من التأويل لا يرد شيء مما ذكر على القول المنصور في الأطفال وهو أنهم مطلقا في الجنة على أنه قيل الكلام في غير من أخبر الصادق بأنه كافر، وقرأ أبو سعيد الخدري والجحدري «فكان أبواه مؤمنان» وخرجه الزمخشري وابن عطية وأبو الفضل الرازي على أن في كان ضمير الشأن، والجملة في موضع الخبر لها، وأجاز أبو الفضل أن يكون مؤمنان على لغة بني الحارث بن كعب فيكون منصوبا، وأجاز أيضا أن يكون في كان ضمير الْغُلامُ والجملة في موضع الخبر.
فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما فخفنا خوفا شديدا أن يغشى الوالدين المؤمنين لو بقي حيا طُغْياناً مجاوزة للحدود الإلهية وَكُفْراً بالله تعالى وذلك بأن يحملهما حبه على متابعته كما روي عن ابن جبير، ولعل عطف الكفر على الطغيان لتفظيع أمره، ولعل ذكر الطغيان مع أن ظاهر السياق الاقتصار على الكفر ليتأتى هذا التفظيع أو ليكون المعنى