للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهنالك تسمع قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ثم إن هذا النور الروحاني أفضل من الشمس الجسمانية لوجوه: الأول أن الشمس يحجبها الغيم وشمس المعرفة لا تحجبها السماوات السبع إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: ١٠] . الثاني الشمس تغيب ليلا وشمس المعرفة لا تغيب ليلا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل: ٦] والمستغفرين بالأسحار سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: ١] .

الليل للعاشقين ستر ... يا ليت أوقاته تدوم

الثالث الشمس تفنى إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: ١] والمعرفة لا تفنى. أصلها ثابت وفرعها في السماء سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] ، الرابع الشمس إذا قابلها القمر انكسفت، وشمس المعرفة وهي «أشهد أن لا إله إلا الله» إذا لم تقرن بقمر النبوة وهي أشهد أن محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يصل النور إلى عالم الجوارح، الخامس الشمس تسود الوجه والمعرفة تبيض الوجوه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران: ١٠٦] ، السادس الشمس تصدع والمعرفة تصعد.

السابع الشمس تحرق والمعرفة تمنع من الإحراق «جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي» ، الثامن الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفعتها في الدارين فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٧] التاسع الشمس فوقانية الصورة تحتانية المعنى والمعارف الإلهية بالعكس، العاشر الشمس تقع على الولي والعدو والمعرفة لا تحصل إلا للولي، الحادي عشر الشمس تعرف أحوال الخلق والمعرفة توصل القلب إلى الخالق، ولما كان شرح الصدر الذي هو أول مراتب الروحانيات أشرف من أعلى مراتب الجسمانيات بدأ موسى عليه السّلام بطلبه قائلا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وعلامة شرح الصدر ودخول النور الإلهي فيه التجافي عن دار الغرور والرغبة في دار الخلود وشبهوا الصدر بقلعة وجعلوا الأول كالخندق لها والثاني كالسور فمتى كان الخندق عظيما والسور محكما عجز عسكر الشيطان من الهوى والكبر والعجب والبخل وسوء الظن بالله تعالى وسائر الخصال الذميمة ومتى لم يكونا كذلك دخل العسكر وحينئذ ينحصر الملك في قصر القلب ويضيق الأمر عليه.

وفرقوا بين الصدر والقلب والفؤاد واللب بأن الصدر مقر الإسلام أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الزمر: ٢٢] والقلب مقر الإيمان حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ٧] أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة: ٢٢] والفؤاد مقر المشاهدة ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١] واللب مقام التوحيد إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الرعد: ١٩، الزمر: ٩] أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي وبقوا بلب الوجود الحقيقي وإنما سأل موسى عليه السّلام شرح الصدر دون القلب لأن انشراح الصدر يستلزم انشراح القلب دون العكس، وأيضا شرح الصدر كالمقدمة لشرح القلب والحر تكفيه الإشارة، فإذا علم المولى سبحانه أنه طالب للمقدمة فلا يليق بكرمه أن يمنعه النتيجة. وأيضا أنه عليه السّلام راعى الأدب في الطلب فاقتصر على طلب الأدنى فلا جرم أعطى المقصود فقيل: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ولما اجترأ في طلب الرؤية، قيل له: لَنْ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣] ، ولا يخفى ما بين قول موسى عليه السّلام لربه عز وجل رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وقول الرب لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] ويعلم منه أن الكليم عليه السّلام مريد والحبيب صلّى الله عليه وسلّم مراد والفرق مثل الصبح ظاهر.

ويزيد الفرق ظهورا أن موسى عليه السّلام في الحضرة الإلهية طلب لنفسه ونبينا صلّى الله عليه وسلّم حين قيل له هناك السّلام عليك أيها النبي قال: السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقد أطال الإمام الكلام في هذه الآية بما هو من هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>