عليه السّلام كان يتوكأ على العصا والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتكل على فضل الله تعالى ورحمته قائلا مع أمته وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولذا ورد في حقه حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: ٦٤] على معنى وحسب من اتبعك.
وأيضا إنه عليه السّلام بدأ بمصالح نفسه في قوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ثم مصالح رعيته بقوله: وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشتغل إلا بإصلاح أمر أمته اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلا جرم يقول موسى عليه السّلام يوم القيامة. نفسي نفسي
والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أمتي أمتي»
انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام بل لا فرق إلا بيسير جدا.
ولعمري إنه لا ينبغي أن يقتدى به في مثل هذا الكلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وإنما نقلته لأنبه على عدم الاغترار به نعوذ بالله تعالى من الخذلان رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي لم يذكر عليه السّلام بم يشرح صدره وفيه احتمالات.
قال بعض الناس: إنه تعالى ذكر عشرة أشياء ووصفها بالنور. الأول ذاته جل شأنه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] الثاني الرسول صلّى الله عليه وسلّم قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ [المائدة: ١٥] ، الثالث الكتاب وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف: ١٥٧] .
الرابع الإيمان يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ [التوبة: ٣٢] . الخامس عدل الله تعالى وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩] . السادس القمر وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح: ١٦] . السابع النهار وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١] .
الثامن البينات إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [المائدة: ٤٤] ، التاسع الأنبياء عليهم السّلام نُورٌ عَلى نُورٍ [النور: ٣٥] ، العاشر المعرفة مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [النور: ٣٥] فكان موسى عليه السّلام قال أولا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بمعرفة أنوار جلال كبريائك، وثانيا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالتخلق بأخلاق رسلك وأنبيائك، وثالثا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي باتباع وحيك وامتثال أمرك ونهيك، ورابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بنور الإيمان والإيقان بإلهيتك، وخامسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على أسرار عدلك في قضائك وحكمك.
وسادسا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالانتقال من نور شمسك وقمرك إلى أنوار جلال عزتك كما فعله إبراهيم عليه السّلام، وسابعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي من مطالعة نهارك وليلك إلى مطالعة نهار فضلك وليل قهرك، وثامنا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بالاطلاع على مجامع آياتك ومعاقد بيناتك في أرضك وسمواتك، وتاسعا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي في أن أكون خلف صدق للأنبياء المتقدمين ومشابها لهم في الانقياد لحكم رب العالمين، وعاشرا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي بأن يجعل سراج الإيمان كالمشكاة التي فيها المصباح انتهى.
ولا يخفى ما بين أكثر ما ذكر من التلازم وإغناء بعضه عن بعض، وقال أيضا: إن شرح الصدر عبارة عن إيقاد النور في القلب حتى يصير كالسراج، ولا يخفى أن مستوقد السراج محتاج إلى سبعة أشياء زند وحجر وحراق وكبريت ومسرجة وفتيلة ودهن، فالزند زند المجاهد وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا [العنكبوت: ٦٩] والحجر حجر التضرع ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف: ٢٠٥] والحراق منع الهوى ونهي النفس عن الهوى والكبريت الإنابة وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ [الزمر: ٥٤] والمسرجة الصبر وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] والفتيلة الشكر ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] والدهن: الرضا وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور: ٤٨] أي ارض بقضائه، ثم إذا صلحت هذه الأدوات فلا تعول عليها بل ينبغي أن تطلب المقصود من حضرة ربك جل وعلا قائلا: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي