للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنفعة المستفادة من لام لَكُمْ والضمير المستتر للبوس، والتأنيث بتأويل الدرع وهي مؤنث سماعي أو للصنعة.

وقرأ جماعة «ليحصنكم» بالياء التحتية على أن الضمير للبوس أو لداود عليه السلام قيل أو التعليم، وجوز أن يكون لله تعالى على سبيل الالتفات، وأيد بقراءة أبي بكر عن عاصم «لنحصنكم» بالنون، وكل هذه القراءات بإسكان الحاء والتخفيف. وقرأ الفقيمي عن أبي عمرو، وابن أبي حماد عن أبي بكر بالياء التحتية وفتح الحاء وتشديد الصاد، وابن وثاب والأعمش بالتاء الفوقية والتشديد مِنْ بَأْسِكُمْ قيل أي من حرب عدوكم، والمراد مما يقع فيها، وقيل الكلام على تقدير مضاف أي من آلة بأسكم كالسيف فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ أمر وارد صورة الاستفهام لما فيه من التقريع بالإيماء إلى التقصير في الشكر والمبالغة بدلالته على أن الشكر مستحق الوقوع بدون أمر فسأل عنه هل وقع ذلك الأمر اللازم الوقوع أم لا وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخرنا له الريح، وجيء باللام هنا دون الأول للدلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت فإن تسخير ما سخر له عليه السلام كان بطريق الانقياد الكلي له والامتثال بأمره ونهيه بخلاف تسخير الجبال والطير لداود عليه السلام فإنه كان بطريق التبعية والاقتداء به عليه السلام في عبادة الله عز وجل عاصِفَةً حال من الريح والعامل فيها الفعل المقدر أي وسخرنا له الريح حال كونها شديدة الهبوب، ولا ينافي وصفها بذلك هنا وصفها في موضع آخر بأنها رخاء بمعنى طيبة لينة لأن الرخاء وصف لها باعتبار نفسها والعصف وصف لها باعتبار قطعها المسافة البعيدة في زمان يسير كالعاصفة في نفسها فهي مع كونها لينة تفعل فعل العاصفة.

ويجوز أن يكون وصفها بكل من الوصفين بالنسبة إلى الوقت الذي يريده سليمان عليه السلام فيه، وقيل وصفها بالرخاء في الذهاب ووصفها بالعصف بالإياب على عادة البشر في الإسراع إلى الوطن. فهي عاصفة في وقت رخاء في آخر. وقرأ ابن هرمز. وأبو بكر في رواية «الريح» بالرفع مع الإفراد.

وقرأ الحسن وأبو رجاء «الرياح» بالنصب والجمع، وأبو حيوة بالرفع والجمع، ووجه النصب ظاهر، وأما الرفع فعلى أن المرفوع مبتدأ والخبر هو الظرف المقدم وعاصِفَةً

حال من ضمير المبتدأ في الخبر والعامل ما فيه من معنى الاستقرار تَجْرِي بِأَمْرِهِ أي بمشيئته وعلى وفق إرادته وهو استعمال شائع، ويجوز أن يأمرها حقيقة ويخلق الله تعالى لها فهما لأمره كما قيل في مجيء الشجرة للنبي صلّى الله عليه وسلّم حين دعاها، والجملة إما حال ثانية أو بدل من الأولى على ما قيل وقد مر لك غير بعيد الكلام في إبدال الجملة من المفرد فتذكر أو حال من ضمير الأولى إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وهي الشام كما أخرج ابن عساكر عن السدي، وكان عليه السلام مسكنه فيها فالمراد أنها تجري بأمره إلى الشام رواحا بعد ما سارت به منها بكرة، ولشيوع كونه عليه السلام ساكنا في تلك الأرض لم يذكر جريانها بأمره منها واقتصر على ذكر جريانها إليها وهو أظهر في الامتنان، وقيل كان مسكنه إصطخر وكان عليه السلام يركب الريح منها فتجري بأمره إلى الشام.

وقيل: يحتمل أن تكون الأرض أعم من الشام، ووصفها بالبركة لأنه عليه السلام إذا حل أرضا أمر بقتل كفارها وإثبات الإيمان فيها وبث العدل ولا بركة أعظم من ذلك، ويبعد أن المتبادر كون تلك الأرض مباركا فيها قبل الوصول إليها وما ذكر يقتضي أن تكون مباركا فيها من بعده وأبعد جدا منذر بن سعيد بقوله: إن الكلام قد تم عند قوله تعالى:

إِلى الْأَرْضِ والتي باركنا فيها صفة للريح وفي الآية تقديم وتأخير، والأصل ولسليمان الريح التي باركنا فيها عاصفة تجري بأمره بل لا يخفى أنه لا ينبغي أن يحمل كلام الله تعالى العزيز على مثل ذلك وكلام أدنى البلغاء يجل عنه، ثم الظاهر أن المراد بالريح هذا العنصر المعروف العام لجميع أصنافه المشهورة، وقيل: المراد بها الصبا.

وفي بعض الأخبار ما ظاهره ذلك، فعن مقاتل أنه قال: نسجت لسليمان عليه السلام الشياطين بساطا من ذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>