ثبوت رأى بمعنى عرف، وذكره الزمخشري في المفصل، والراغب في مفرداته وهما من الثقات فلا عبرة بإنكارهما، وقرأ ابن مسعود- وأرهم مناسكهم- باعادة الضمير إلى الذرية، وقرأ ابن كثير ويعقوب- وأرنا- بسكون الراء وقد شبه فيه المنفصل بالمتصل فعومل معاملة فَخُذْ [البقرة: ٢٦٠، الأعراف: ١٤٤، يوسف: ٧٨] في إسكانه للتخفيف، وقد استعملته العرب كذلك ومنه قوله:
أرنا إداوة عبد الله نملؤها ... من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا
وقول الزمخشري: إن هذه القراءة قد استرذلت لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها فإسقاطها إجحاف مما لا ينبغي لأن القراءة من المتواترات ومثلها أيضا موجود في كلام العرب العرباء وَتُبْ عَلَيْنا أي وفقنا للتوبة أو اقبلها منا والتوبة تختلف باختلاف التائبين فتوبة سائر المسلمين الندم والعزم على عدم العود ورد المظالم إذا أمكن، ونية الرد إذا لم يمكن، وتوبة الخواص الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء، والفتور في الأعمال، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال، وتوبة خواص الخواص لرفع الدرجات، والترقي في المقامات، فإن كان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام طلبا التوبة لأنفسهما خاصة، فالمراد بها ما هو من توبة القسم الأخير، وإن كان الضمير شاملا لهما وللذرية كان الدعاء بها منصرفا لمن هو من أهلها ممن يصح صدور الذنب المخل بمرتبة النبوة منه، وإن قيل: إن الطلب للذرية فقط وارتكب التجوز في النسبة إجراء للولد مجرى النفس بعلاقة البعضية ليكون أقرب إلى الإباحة، أو في الطرف حيث عبر عن الفرع باسم الأصل، أو قيل: بحذف المضاف- أي على عصاتنا- زال الاشكال كما إذا قلنا: إن ذلك عما فرط منهما من الصغائر سهوا، والقول بأنهما لم يقصدا الطلب حقيقة، وإنما ذكرا ذلك للتشريع وتعليم الناس ان تلك المواضع مواضع التنصل، وطلب التوبة من الذنوب بعيد جدا، وجعل الطلب للتثبيت لا أراه هنا يجدي نفعا- كما لا يخفى- وقرأ عبد الله «وتب عليهم» بضمير جمع الغيبة أيضا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ تعليل للدعاء ومزيد استدعاء للإجابة، وتقديم التوبة للمجاورة، وتأخير الرحمة لعمومها ولكونها أنسب بالفواصل.
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ أي أرسل في- الأمة المسلمة- وقيل: في- الذرية- وعود الضمير إلى أهل مكة بعيد رَسُولًا مِنْهُمْ أي من أنفسهم، ووصفه بذلك ليكون أشفق عليهم، ويكونوا أعز به وأشرف، وأقرب للإجابة، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته، ولم يبعث من ذرية كليهما سوى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وجميع أنبياء بني إسرائيل من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام- لا من ذريتهما- فهو المجاب به دعوتهما، كما
روى الإمام أحمد وشارح السنة عن العرباض عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال:«سأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني»
وأراد صلى الله تعالى عليه وسلم إثر دعوته، أو مدعوه، أو عين دعوته- على المبالغة- ولما كان إسماعيل عليه السلام شريكا في الدعوة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دعوة إسماعيل أيضا إلا أنه خص إبراهيم لشرافته، وكونه أصلا في الدعاء، ووهم من قال: إن الاقتصار في الحديث على إبراهيم يدل على أن المجاب من الدعوتين كان دعوة إبراهيم دون إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. وقرأ أبيّ «وابعث فيهم في آخرهم رسولا» وهذا يؤيد أن المراد به نبينا صلّى الله عليه وسلّم، «وفي الأثر» أنه لما دعي إبراهيم قيل له: قد استجيب لك، وهو يكون في آخر الزمان.
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ أي يقرأ عليهم ما توحي إليه من العلامات الدالة على التوحيد والنبوة وغيرهما، وقيل:
خبر من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة، والجملة صفة رَسُولًا وقيل: في موضع الحال منه.