للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين، وفيه كما في الكشف إشارة إلى فائدة إقحام النفس وأن الحاصل ليس على الضعفاء المطعمين ولا على الذاهبين إلى بيوت القرابات ومن في مثل حالهم وهم الأصدقاء حرج. وقيل: إن فائدة إقحامها الإشارة إلى أن الأكل المذكور مع أنه لا حرج فيه لا يخل بقدر من له شأن وهو وجه حسن دقيق لا يلزمه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ظاهرا، وكان منشؤه كثرة إقحام النفس في ذوي الشأن، ومن ذلك قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: ٥٤] ولم يقل سبحانه: كتب ربكم عليه الرحمة، وقوله عز وجل

في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي»

دون أن يقول جل وعلا: إني حرمت الظلم عليّ إلى غير ذلك مما يعرفه المتتبع المنصف، وما قيل من أنّ فائدة الإقحام الإشارة إلى أن التجنب عن الأكل المذكور لا يخلو عن رعاية حظ النفس مع خفائه لا يلائم إلا بعض الروايات السابقة في سبب النزول، ونحو ما قيل من أنها أقحمت للإشارة إلى أن نفي الحرج عن المخاطبين في الأكل من البيوت المذكورة لذواتهم بخلاف نفي الحرج عن أهل الأعذار في الأكل منها فإنه لكونهم مع المخاطبين وذهابهم بهم إليها، والتعرض لنفي الحرج عنهم في أكلهم من بيوتهم مع ظهور انتفاء ذلك لإظهار التسوية بينه وبين قرنائه كما في قوله تعالى: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران: ٤٦] لكن ذلك فيما نحن فيه من أول الأمر، ولم يتعرض لبيوت أولادهم لظهور أنها كبيوتهم، وذكر جمع أنها داخلة في بيوت المخاطبين،

فقد روى أبو داود وابن ماجة «أنت ومالك لأبيك»

في حديث رواه الشيخان وغيرهما «إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه»

وقال بعضهم: المراد ببيوت المخاطبين بيوت أولادهم وأضافها إليهم لمزيد اختصاصها بهم كما يشهد به الشرع والعرف، وقيل: المعنى أن تأكلوا من بيوتكم من مال أولادكم وأزواجكم الذين هم في بيوتكم ومن جملة عيالكم وهو كما ترى أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ وقرأ حمزة بكسر الهمزة والميم، والكسائي وطلحة بكسر الهمزة وفتح الميم أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أي أو مما تحت أيديكم وتصرفكم من بستان أو ماشية وكالة أو حفظا وهو الذي يقتضيه كلام ابن عباس. فقد روى عنه غير واحد أنه قال: ذاك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته فلا بأس عليه أن يأكل من ثمر حائطه ويشرب من لبن ماشيته ولا يحمل ولا يدخر.

وقال السدي: هو الرجل يولي طعام غيره ويقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه.

وقال ابن جرير: هو الزمن يسلم إليه مفتاح البيت ويؤذن له بالتصرف فيه، وقيل: ولي اليتيم الذي له التصرف بماله فإنه يباح له الأكل منه بالمعروف. وملك المفتاح على جميع ذلك كناية عن كون الشيء تحت يد الشخص وتصرفه. والعطف على ما أشرنا إليه على ما بعد مِنْ وعن قتادة أن المراد بما ملكتم مفاتحه العبيد فالعطف على ما بعد بُيُوتِ والتقدير أو بيوت الذين ملكتم مفاتحهم. وكان ملك المفتاح لما شاع كناية لم ينظر فيه إلى أن المتصرف مما يتوصل إليه بالمفتاح أولا ومثله كثير، أو هو ترشيح لجري العبيد مجرى الجماد من الأموال المشعر به استعمال ما فيهم، ولا يخفى عليك بعد هذا القول وأنه يندرج بيوت العبيد في قوله تعالى: بُيُوتِكُمْ لأن العبد لا ملك له، وإرادة المعتوقين منهم بقرينة مَلَكْتُمْ بلفظ الماضي مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. وقرأ ابن جبير «ملكتم» بضم الميم وكسر اللام مشددة «ومفاتيحه» بياء بعد التاء جمع مفتاح. وقرأ قتادة وهارون عن أبي عمرو «مفتاحه» بالإفراد وهو آلة الفتح وكذا المفتح كما في القاموس، وقال الراغب: المفتح والمفتاح ما يفتح به وجمعه مفاتيح ومفاتح وفي بعض الكتب أن جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أَوْ صَدِيقِكُمْ أي أو بيوت صديقكم وهو من يصدق في مودتك وتصدق في مودته يقع على الواحد والجمع، والمراد به هنا الجمع، وقيل: المفرد، وسر التعبير به دون أصدقائكم الإشارة إلى قلة الأصدقاء حتى قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>