للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعترفون بآيات الله تعالى الباهرة بدل قوله سبحانه فيها بالضمير الراجع إلى الآية المبحوث عنها شهادة بأنها من آيات الله تعالى وزيادة للتحذير وذم الجدال فيها وليكون على أسلوب الكناية على نحو العرب لا تخفر الذمم فكأنه لما قيل: إن يشأ يسكن الريح وذكر سبب الدلالة صار في معنى يعلمها ويعترف بها المتدبرون في آياتنا المسترشدون ويعلم المجادلون فيها المنكرون ما لهم من محيص، وجاز أن يجعل عطفا على قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ وتجعل هذه وحدها آيات لتضمنها وجودها من الدلالة أقيمت مقام المضمر، والمعنى ومن آياته الجوار ويعلم المجادلون فيها، واعترض بين المعطوف والمعطوف عليه ببيان وجه الدلالة ليدل على موجب وعيد المجادل وعلى كونها آية بل آيات، ونقل عن أن الحاجب أنه يجوز أن يكون الرفع بالعطف على موضع الجزاء المتقدم باعتبار كونه جملة لا باعتبار عطف مجرد الفعل ليجب الجزم فتكون الجملتان مشتركتين في المسببية، وفيه بحث يعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى، وقرىء «ويعلم» بالجزم.

وخرج على العطف علي يَعْفُ وتسببه عن الشرط باعتبار تضمن الأخبار عن علم المجادلين بما يحل بهم في المستقبل الوعيد والتحذير كما قيل:

سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار

ومرجع المعنى علي ذلك أنه تعالى إن يشأ يعصف الريح فيغرق بعضا وينج آخرين عفوا ويجذر جماعة أخرى.

واعترض بأن التخصيص بالمجادلين في هذا التحذير غير لائح، وأيضا علمهم بأن لا محيص من عذاب الله تعالى على تقدير عصف الريح بأهل السفن على سبيل العبرة ولا اختصاص لها بهم ولا بهذا المقدور خاصة.

وأجيب عن الأول بأن التخصيص بالمجادلين لأنهم أولى بالتحذير، وعن الأخير بأنه أريد أن البر والبحر لا ينجيان من بأسه عزّ وجلّ فهو تعميم، واختار في الكشف كون التخريج على أن الآية في الكافرين بمعنى إن يعصف الريح فيغرق بعضهم وينج آخرين منهم عفوا ويعلموا ما لهم من محيص فلا يغتروا بالنجاة والعفو في هذه المرة، فالمجادلون هم الكثير الناجون أو بعضهم وهو على منوال قوله تعالى أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى [الإسراء:

٦٩] ، ومن مجموع ما سمعت يلوح لك ضعف هذه القراءة ولهذا لم يقرأ بها في السبعة، والظاهر على القراءات الثلاث أن فاعل يَعْلَمَ الَّذِينَ وجملة ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ سادة مسد المفعولين. وفي الدر المصون أن الجملة في قراءة الرفع تحتمل الفعلية وتحتمل الاسمية أي وهو يعلم الذين، ولا يخفى أن الظاهر على الاحتمال الثاني كون الَّذِينَ مفعولا أولا والجملة مفعولا ثانيا والفاعل ضميره تعالى المستتر، وأوجب بعضهم هذا على قراءة الجزم وعطف يَعْلَمَ على يَعْفُ لئلا يخرج الكلام عن الانتظام ويظهر قصد التحذير لشيوع أن علم الله تعالى يكون كناية عن المجازاة وهو كما ترى فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي شيء كان من أسباب الدنيا، والظاهر أن الخطاب للناس مطلقا، وقيل: للمشركين، وما موصوله مبتدأ والعائد محذوف أي أوتيتموه والخبر ما بعد، ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط، وقال أبو حيان: هي شرطية مفعول ثان لأوتيتم ومِنْ شَيْءٍ بيان لها وقوله تعالى: فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي فهو متاعها تتمتعون به مدة حياتكم فيها جواب الشرط، والأول أوفق بقوله تعالى: وَما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الآخرة خَيْرٌ ذاتا لخلوص نفعه وَأَبْقى زمانا حيث لا يزول ولا يفنى لأن الظاهر أن ما فيه موصولة وإنما لم يؤت بالفاء في خبرها مع أن الموصول المبتدأ إذا وصل بالطرف يتضمن معنى الشرط أيضا لأن مسببية كون الشيء عند الله تعالى لخيريته أمر معلوم مقرر غني عن الدلالة عليه بحرف موضوع له بخلاف ما عند غيره سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>