للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين ولا مساويا له فإن الشرك ظلم عظيم. وقد انضم إليه من أنواع الكفر في المشركين مما ليس عند أهل الكتاب وقد استدل بالآية على خلود الكفار مطلقا في النار أُولئِكَ إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما هم فيه من القبائح المذكورة وما فيه من معنى البعد لبعد منزلتهم في الشر أي أولئك البعداء المذكورون هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أي الخلقية وقيل أي البشر، والمراد قيل هم شر البرية أعمالا فتكون الجملة في حيّز التعليل لخلودهم في النار. وقيل شرها مقاما ومصيرا فتكون تأكيدا لفظاعة حالهم، ورجح الأول بأنه الموافق لما سيأتي إن شاء الله تعالى في حق المؤمنين. وأيّا ما كان فالعموم على ما قيل مشكل فإن إبليس وجنوده شر منهم أعمالا ومقاما وكذا المشركون والمنافقون حيث ضموا إلى الشرك النفاق وقد قال سبحانه إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: ١٤٥] وقال بعض: لا يبعد أن يكون في كفار الأمم من هو شر منهم كفرعون وعاقر الناقة. وأجاب بأن المراد بالبرية المعاصرون لهم ولا يخفى أنه يبقى معه الإشكال بإبليس ونحوه. وأجيب بأن ذلك إذا كان الحصر حقيقيا وأما إذا كان إضافيا بالنسبة إلى المؤمنين بحسب زعمهم فلا إشكال إذ يكون المعنى أولئك هم شر البرية لا غيرهم من المؤمنين كما يزعمون مآلا أو حالا. وقيل: يراد بالبرية البشر. ويراد بشريتهم شريتهم بحسب الأعمال ولا يبعد أن يكونوا بحسب ذلك هم شر جميع البرية لما أن كفرهم مع العلم بصحة رسالته عليه الصلاة والسلام ومشاهدة معجزاته الذاتية والخارجية ووعد الإيمان به عليه الصلاة والسلام ومع إدخالهم به الشبهة في قلوب من يأتي بعدهم وتسببهم به ضلال كثير من الناس إلى غير ذلك مما تضمنه واستلزمه من القبائح شر كفر وأقبحه لا يتسنى مثله لأحد من البشر إلى يوم القيامة، وكذا سائر أعمالهم من تحريف الكلم عن مواضعه وصد الناس عنه صلّى الله عليه وسلم ومحاربتهم إياه عليه الصلاة والسلام، وكون كفر فرعون وعاقر الناقة وفعلهما بتلك المثابة غير مسلم ويلتزم دخول المنافقين في عموم الذين كفروا أو كون كفرهم وأعمالهم دون كفر وأعمال المذكورين وفيه شيء لا يخفى فتأمل. وقيل: ليس المراد بأولئك الذين كفروا أقواما مخصوصين وهم المحدث عنهم أولا بل الأعم الشامل لهم ولغيرهم من سالف الدهر إلى آخره وهو على ما فيه لا يتم بدون حمل البرية على البشر فلا تغفل. وقرأ الأعرج وابن عامر ونافع «البريئة» هنا وفيما بعد بالهمزة فقيل هو الأصل من برأهم الله تعالى بمعنى ابتدأهم واخترع خلقهم فهي فعيلة بمعنى مفعولة، لكن عامة العرب إلّا أهل مكة التزموا تسهيل الهمزة بالإبدال والإدغام فقالوا: البرية كما قالوا الذرية والخابية. وقيل: ليس بالأصل وإنما البرية بغير همز من البرى المقصور يعني التراب فهو أصل

برأسه والقراءتان مختلفتان أصلا ومادة ومتفقتان معنى في رأي وهو أن يكون المراد عليهما البشر، ومختلفان فيه أيضا في رأي آخر وهو أن يكون المراد بالمهموز الخليفة الشاملة للملائكة والجن كالبشر، وبغير المهموز البشر المخلوقون من التراب فقط وأيّا ما كان فليست القراءة بالهمز خطأ كيف وقد نقلت عمن ثبتت عصمته مع أن الهمز لغة قوم من أنزل عليه الكتاب صلّى الله عليه وسلم.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بيان لمحاسن أحوال المؤمنين إثر بيان سوء حال الكفرة جريا على السنة القرآنية من شفع الترهيب بالترغيب أو هو على ما أشرنا إليه سابقا. وقال عصام الدين: إن قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إلخ كالتأكيد لقوله تعالى ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إذا لا تحقيق لكونها الملة القيمة فوق أن يكون جزاء المعرض هذا وجزاء الممتثل ذلك إلّا أن ذلك اقتضى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلخ وكأنه فصل لتخييل عدم المناسبة بين الجملتين لا في المسند إليه ولا في المسند أُولئِكَ أي المنعوتون بما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>