قيل: وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: ٣١] وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض، وقيل: هو مثل اعتقاد اليهود في عزيز أنه ابن الله، واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك، وضمير- نا- على كل تقدير للناس لا للممكن- وإن أمكن- حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها.
وفي التعبير- بالبعض- نكتة وهي الإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكونون أربابا؟
«فإن قلت» إن المخاطبين لم يتخذوا البعض أربابا من دون الله بل اتخذوهم آلهة معه سبحانه «أجيب» بأنه أريد من دون الله وحده، أو يقال: بأنه أتى بذلك للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلا- قاله بعضهم- وللنصارى- سود الله تعالى حظهم- الحظ الأوفر من هذه المنهيات، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان فرقهم وتفصيل كفرهم على أتم وجه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ المراد فان تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبوا عنادا فقولوا لهم: أنصفوا واعترفوا بأنا على الدين الحق وهو تعجيز لهم أو هو تعريض بهم لأنهم إذا شهدوا بالإسلام لهم فكأنهم قالوا: إنا لسنا كذلك، وإلى هذا ذهب بعض المحققين، وقيل: المراد فإن تولوا فقولوا: إنا لا نتحاشى عن الإسلام ولا نبالي بأحد في هذا الأمر- فاشهدوا بأنا مسلمون- فإنا لا نخفي إسلامنا كما أنكم تخافون وتخفون كفركم ولا تعرفون به لعدم وثوقكم بنصر الله تعالى، ولا يخفى أن هذا على ما فيه إنما يحسن لو كان الكلام في منافقي أهل الكتاب لأن المنافقين هم الذين يخافون فيخفون، وأما هؤلاء فهم معترفون بما هم عليه كيف كان فلا يحسن هذا الكلام فيهم، تَوَلَّوْا هنا ماض ولا يجوز أن يكون التقدير تتولوا لفساد المعنى لأن فَقُولُوا خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين، وتتولوا خطاب للمشركين، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب يا أَهْلَ الْكِتابِ خطاب لليهود والنصارى لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ أي تنازعون وتجادلون فيه ويدعي كل منكم أنه عليه السلام كان على دينه،
أخرج ابن إسحق.
وابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:«اجتمعت نصارى نجران. وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية»
والظرف الأول متعلق بما بعده وكذا الثاني، وما- استفهامية، والغرض الإنكار والتعجب- عند السمين- وحذفت ألفها لما دخل الجار للفرق بينها وبين الموصولة، والكلام على حذف مضاف أي دين إبراهيم أو شريعته لأن الذوات لا مجادلة فيها وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ على موسى عليه السلام وَالْإِنْجِيلُ على عيسى عليه السلام إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ حيث كان بينه وبين موسى عليهما السلام خمسمائة وخمس وستون سنة، وقيل:
سبعمائة، وقيل: ألف سنة وبين موسى، وعيسى عليهما السلام ألف وتسعمائة وخمس وعشرون سنة، وقيل ألفا سنة، وهناك أقوال أخر أَفَلا تَعْقِلُونَ الهمزة داخلة على مقدر هو المعطوف عليه بالعاطف المذكور على رأي- أي ألا تتفكرون فلا تعقلون بطلان قولكم- أو أتقولون ذلك فلا تعقلون بطلانه، وهذا تجهيل لهم في تلك الدعوى وتحميق، وهو ظاهر إن كانوا قد ادعوا- كما قال الشهاب- إنه عليه السلام منهم حقيقة، وإن كان مدعاهم أن دين إبراهيم يوافق دين موسى، أو دين عيسى فهو يهودي، أو نصراني بهذا المعنى فتجهيلهم، ونفي العقل عنهم بنزول التوراة الإنجيل بعده- مشكل إلا أن يدعي بأن المراد أنه لو كان الأمر كذلك لما أوتي موسى عليه السلام التوراة، ولا عيسى عليه السلام الإنجيل بل كانا يؤمران بتبليغ صحف إبراهيم- كذا قيل- وأنت تعلم أن هذا لا يشفي الغليل إذ لقائل أن يقول:
أي مانع من اتحاد الشريعة مع إنزال هذين الكتابين لغرض آخر غير بيان شريعة جديدة على أن الصحف لم تكن