رسول الله ضرب عسكره على ثنية الوداع ومما يدل على أنّ «ثنية الوداع» المذكورة في أخبار غزوة تبوك، هي الثنية الشامية، ما رواه ابن هشام عن ابن إسحق قال [في غزوة تبوك] : «وضرب عبد الله بن أبيّ معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب ... »
وذباب جبل يذكرونه في تحديد ثنية الوداع الشامية، فيقولون: «بين مسجد الراية الذي هو على جبل ذباب، ومشهد النفس الزكية» .
وجبل ذباب، في أول شارع العيون بعد نزولك من الثنية وأنت متجه نحو الشمال.
وذكر البيهقي في «الدلائل» ونقله عنه ابن كثير في التاريخ ٥/ ٢٣ أن ولائد وصبيان المدينة تلقوا رسول الله بنشيد «طلع البدر» في القدوم من غزوة تبوك، ثم قال:
وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة، إلّا أن الرسول عليه السلام قدم المدينة من ثنية الوداع عند مقدمه من تبوك.
وروى البخاري في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أجرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى «ثنية الوداع» [الفتح ٦/ ٧١] . والحفياء في الغابة شامي المدينة فيما يسمّى «الخليل» وثنية الوداع هنا، هي الثنية الشامية، لأن ثنية المدرّج المذكورة في طريق مكة، لا تصلح أن تكون أمدا للسباق من بداية الحفياء أو الغابة.
وقال ابن القيم في «زاد المعاد» عند الحديث عن غزوة تبوك: «فلما دنا رسول الله من المدينة خرج الناس لتلقيه وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن «طلع البدر ... » . قال:
وبعض الرواة يهم في هذا ويقول: إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام، ولا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمرّ بها إلّا إذا توجّه إلى الشام، ويؤيد ذلك الحديث «فلما أشرف على المدينة قال صلّى الله عليه وسلّم: «هذه طابة وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه» ورؤية جبل أحد للقادم من الشام أوضح من رؤيته للقادم من طريق مكة.
ومما يدلّ على أنّ «ثنية الوداع» في المدينة، هي الثنية الشامية، أننا لم نر لثنية الوداع ذكرا في سفر من الأسفار التي في جهة مكة، ويكثر ذكرها في الأسفار التي في جهة الشمال.
ومما يدلّ على أن ثنية الوداع في النشيد، هي الثنية الشامية، أنهم يقولون إن النشيد قيل مقدم رسول الله من مكة، والثنية الثانية التي يذكرونها في طريق مكة، ليست في طريق الهجرة النبوية.
بقي دليل قويّ على أن ثنية الوداع في المدينة، هي الثنية الشامية، وهذا الدليل هو وراثة الأجيال من أهل المدينة أنّ ثنية الوداع هي التي في طريق تبوك، ورواية أهل