١- أما بعد: فإن البحث عن المعالم الأثرية ظاهرة حضارية، أولتها الأمم عنايتها، وتفرغ لها المتخصّصون، وبذلت فيها الجهود والأموال وأفردت لها الجامعات أقساما تعكف على دراستها. وزادت العناية بها في العقود الأخيرة، لأنها كانت من الوسائل التي اتخذها الغرب المستعمر لقهر الشعوب والسيطرة عليها، وإحباط كلّ حركة للاستقلال، السياسي والاقتصادي والثقافي.
وكانت الدول الغربية قد سبقت أمم الشّرق إلى هذا الميدان، وجمعت من آثار الشّرق أكداسا، وأرسلت روّادها يجوبون الفيافي والقفار، ويكتبون الأبحاث عن مشاهداتهم، ويسرقون المخطوطات. وكان هدفهم تقديم الدراسات المشوّهة عن شعوب الشرق، لإظهار تفوّق العرق الأوروبي وانحطاط السلالات الشرقية، وإيهامها أن لا سبيل للوصول إلى المضمار المتقدم في الصناعة والاختراعات.. ومن الخير لها أن تبقى مستهلكة لصناعات الغرب، وأن تصدّر خيرات أرضها الخام، إلى الدول التي هيأتها قدراتها الموروثة، للاختراع والإبداع.
وإذا كانت الأمم- غير العربية- قد نالها سهم واحد من سهام الأعداء، فإن ما تبقّى في جعبة السهام توجه كله إلى أرضنا العربية، وكانت جلّ جهود المستشرقين والمبشرين (المنصّرين) مركّزة في الجبهة العربية، لأنهم لم يجدوا صمودا أشدّ عليهم من صمود أمة العرب، ولم يجابهوا بالرفض، كما جوبهوا في المجتمع العربي. وأشدّ ما فتّ في عضدهم، بقاء التراث العربي- في القرن العشرين- حيّا، ومفهوما، ومهضوما، كما كان قبل ألفي سنة.. كما أدهشهم تمسك العربي بترائه، مع فقره