حازم قرن فى الإسناد بين عاصم بن ضمرة، وهو ثقة، وبين الحرث الأعور، وهو كذاب، وقال (ص ٧٠) : «وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا، وهو أن الحرث أسنده، وعاصم لم يسنده، فجمعهما جرير، وأدخل حديث أحدهما فى الآخر» . وغلا ابن حزم غلوا شديدا بعد ذلك، فقال:«هو حديث هالك. ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لأخذنا به» .
وابن حزم كان يؤلف قبل عصر المطبعة، وكتابه فى يده، فكان مستطيعا إذا شاء أن يعرض عما كتبه كله فى هذه المسألة الطويلة، ويستأنف كتابتها على النحو الذى يريده بعد أن تغير اجتهاده وتغير رأيه. ولكنه أبى إلا أن يبقى ما كتب على ما كتب، ثم يرد على نفسه، على طريقته وبقوته، فيقول فى آخر المسألة (ص ٧٤) : «ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه، وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة أو أبا إسحق أو جريرا خلط إسناد الحرث بإرسال عاصم- هو الظن الباطل الذى لا يجوز. وما علينا من مشاركة الحرث لعاصم، ولا لإرسال من أرسله، ولا لشك زهير فيه شىء وجرير ثقة، فالأخذ بما أسنده لازم» .
وهذا الجزء من (المحلى) طبع منذ أكثر من عشرين سنة، سنة (١٣٤٩ هجرية) بتحقيقى. وقد كتبت فيه تعليقا على صنيع ابن حزم هذا ما نصه:
«لله درّ أبى محمد بن حزم، رأى خطأه فسارع إلى تداركه، وحكم بأنه الظن الباطل الذى لا يجوز. وهذا شأن المنصفين من أتباع السنة الكريمة وأنصار الحق، وهم الهداة القادة. وقليل ما هم» .