الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد عبده ورسوله، سيد ولد آدم، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(هذا الكتاب) من مصادر الأدب الأولى، ومما أبقى لنا حدثان الدهر من آثار أئمتنا الأقدمين. ألّفه إمام ثقة حجة من أوعية العلم. ترجم فيه «للمشهورين من الشعراء، الذين يعرفهم جلّ أهل الأدب، والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم فى الغريب، وفى النحو، وفى كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وهذا الذى قصد إليه، «فأما من خفى اسمه، وقلّ ذكره وكسد شعره، وكان لا يعرفه إلا بعض الخواص، فما أقلّ من ذكرت من هذه الطبقة. إذ كنت لا أعرف منهم إلا القليل، ولا أعرف لذلك القليل أيضا أخبارا» كما قال هو فى خطبة كتابه (ص ٥٨) . وقدّم له بمقدمة تنطوى على أبواب فى: أقسام الشعر، وعيوب الشعر، والإقواء، والإكفاء، والعيب فى الإعراب، وأوائل الشعراء.
وأول ميزة يراها القارئ المتأمل فى الكتاب أن اختيار المؤلف لبعض شعر الشاعر اختيار عالم بالشعر عارف به فقيه فيه، فهو يختار فيحسن الاختيار، وينقد فيحسن النقد ويجيد، ويوازن بين الشعراء فيقيم الوزن بالقسط، لا يحيد ولا يميل.
وخير ما ندلّ به على منزلة هذا الكتاب من العلم، وعلى فائدته للعلماء والمتأدبين، أن نخرجه إليهم إخراجا صحيحا متقنا، وعلى ما أستطيع بجهدى القاصر، بأنى رجل جلّ اشتغالى بعلوم الحديث والقرآن، إلا أنى أرى أن الأدب والشعر هما أكبر عون فى فقه القرآن، والسنة. وما أستطيع أن أزعم أنى أهل لمثل هذا العمل: إلا أن أبذل ما فى وسعى، والتوفيق والعون من الله.
لم يكن هذا الكتاب معروفا على وجهه للعلماء والمتأدبين، إلا قليلا منهم. ذلك