فلم يزل هدبة يطلب غرّة (من) زيادة، حتى أصابها، فبيّته فقتله، وتنحّى مخافة السلطان، وعلى المدينة يومئذ سعيد بن العاص، فأرسل إلى عمّ هدبة وأهله فحبسهم فى المدينة، فلما بلغ ذلك هدبة أقبل حتى أمكن من نفسه، وتخلّص عمّه وأهله «١» ، فلم يزل محبوسا حتى شخص عبد الرحمن بن زيد، أخو زيادة، إلى معاوية، وأورد كتابه، على سعيد (بن العاص) بأن يقيد منه إذا قامت البينة (عليه) ، فسأله سعيد البينة فأقامها فمشت عذرة إلى عبد الرحمن، وسألوه قبول الدية، فامتنع من ذلك وقال:
أنختم علينا كلكل الحرب مرّة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل
فلا يدعنى قومى لزيد بن مالك ... لئن لم أعجّل ضربة أو أعجّل
وسأله سعيد أن يقبل الدية منه، وقال: أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جدّاء، ولا ذات داء «٢» ، فقال: والله لو نقّيت لى مجلسك هذا ثم ملأته ذهبا ما رضيت به من هذا، (وقال:
تعزّى عن زيادة كلّ مولى ... خلىّ لا تأوّبه الهموم «٣»
وكيف تجلّد الأدنين عنه ... ولم يقتل به الثّأر المنيم
ولو كنت المصاب وكان حيّا ... لشمّر لا ألفّ ولا سؤوم «٤»
ولا هيّابة باللّيل نكس ... ولا ورع إذا يلقى جثوم) «٥»