للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لانتقالهم [١] عن ماء إلى ماء، وانتجاعهم الكلأ، وتتبّعهم مساقط الغيث حيث كان. ثم وصل ذلك بالنسيب، فشكا شدّة الوجد وألم الفراق، وفرط الصبابة [٢] والشوق، ليميل نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه، وليستدعى (به) إصغاء الأسماع (إليه) ، لأنّ التشبيب [٣] قريب من النفوس، لائط بالقلوب، لما (قد) جعل الله فى تركيب العباد من محبّة الغزل، وإلف النساء، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلّقا منه بسبب، وضاربا فيه بسهم، حلال أو حرام. فإذا (علم أنّه قد) استوثق من الإصغاء إليه، والاستماع له، عقّب بإيجاب الحقوق، فرحل فى شعره، وشكا النّصب والسّهر، وسرى الليل وحرّ الهجير، وإنضاء الراحلة والبعير. فإذا علم أنّه (قد) أوجب على صاحبه حقّ الرجاء، وذمامة [٤] التأميل، وقرّر عنده ما ناله من المكاره فى المسير، بدأ فى المديح، فبعثه على المكافأة، وهزّه للسّماح [٥] ، وفضّله على الأشباه، وصغّر فى قدره الجزيل.

٥٣* فالشاعر المجيد من سلك هذه الأسالب، وعدّل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحدا منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيملّ السامعين، ولم يقطع وبالنفوس ظمآء إلى المزيد.

٥٤* فقد كان بعض الرّجّاز أتى نصر بن سيّار والى خراسان لبنى أميّة [٦] ،


[١] س ب «لانتجاههم الكلأ وانتقالهم» .
[٢] س ب «فشكا شدة الشوق وألم الوجد والفراق، وفرط الصبابة» .
[٣] س ب «لأن النسيب» .
[٤] الذمامة، بفتح الذال وكسرها: الحق والحرمة. وفى س ب «وذمام» وهى بكسر الذال بمعنى الذمامة.
[٥] س ب «على السماح» .
[٦] ولى نصر بن سيار خراسان سنة ١٢٥ هـ ولاه إياها الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>