للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل تشك أيها المتأمل لكتابنا هذا إذا فكرت في قوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين

أنك لم تجد ما وجدته لهذه الألفاظ من المزية الظاهرة إلا لأمر يرجع إلى تركيبها، وأنه لم يعرض لها هذا الحسن إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، وكذلك إلى آخرها، فإن ارتبت في ذلك فتأمل هل ترى لفظة منها لو أخذت من مكانها وأفردت من بين أخواتها كانت لابسة من الحسن ما لبسته في موضعها من الآية.

ومما يشهد لذلك ويؤيده أنك ترى اللفظة تروقك في كلام، ثم تراها في كلام آخر فتكرهها؛ فهذا ينكره من لم يذق طعم الفصاحة، ولا عرف أسرار الألفاظ في تركيبها وانفرادها.

وسأضرب لك مثالا يشهد بصحة ما ذكرته، وهو أنه قد جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن وبيت من الشعر؛ فجاءت في القرآن جزلة متينة، وفي الشعر ركيكة ضعيفة، فأثّر التركيب فيها هذين الوصفين الضدين؛ أما الآية فهي قوله تعالى:

فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق.

وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي «١» :

تلذّ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذّ له الغرام «٢»

وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة، إلا أن لفظة «تؤذي» قد جاءت فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>