والتقريظ لمعرفته وصناعته، وهذا عيب قبيح يحبط عمل الإنسان، ويوجب المقت من الله والعباد؛ ومنها أنه قد أومأ مرارا في كتابه إلى عتاب دهره، إذ لم يعطه على قدر استحقاقه، فأردنا أن نعرّفه أن الأرزاق ليست على مقادير الاستحقاق، وأن الرزق مقسوم لا يجلبه الفضل، ولا يرده النقص؛ ومنها أن جماعة من أكابر الموصل قد حسن ظنهم في هذا الكتاب جدا، وتعصبوا له حتى فضلوه على أكثر الكتب المصنفة في هذا الفن، وأوصلوا منه نسخا معدودة إلى مدينة السلام (بغداد) وأشاعوه، وتداوله كثير من أهلها؛ فاعترضت عليه بهذا الكتاب، وتقربت به إلى الخزانة الشريفة المقدسة النبوية الإمامية المستنصرية، عمر الله تعالى بعمارتها أندية الفضل ورباعه وأطال بطول بقاء مالكها يد العلم وباعه، وجعل ملائكة السماء أنصاره وأشياعه، كما جعل ملوك الأرض أعوانه وأتباعه؛ وكان أكثر قصدي في ذلك أن يعلم مصنف هذا الكتاب ورؤساء بلدته أن من أصاغر خدم هذه الدولة الشريفة- ولا أعني نفسي فالعجب مبير، ولا أنبىء عني فمثلي كثير (ثم أخذ في مديح رجال مملكته بما يطول) - وهذا الكتاب وقع إليّ في غرة ذي الحجة من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة؛ فتصفحته أوّلا أولا في ضمن الأشغال الديوانية التي أنا بصددها، وعلقت هذا الكتاب في أثناء تصفحه على المواضع المستدركة فيه إلى نصف الشهر المذكور فكان مجموع مطالعتي له واعتراضي عليه خمسة عشر يوما، ولم أعاود النظر فيه دفعة ثانية، وربما يسنح لي عند المعاودة نكت أخرى، وإن وقع ذلك ألحقتها، وقد سميت هذا الكتاب «الفلك الدائر، على المثل السائر» ؛ لأنه شاع في كلامهم وكثر في استعمالهم أن يقولوا لما باد ودثر: قد دار عليه الفلك، كأنهم يريدون أنه قد طحنه ومحا صورته، ومن ذلك قول أبي العتاهية:
إن كنت تنشدهم فإنّهم ... همدوا ودار عليهم الفلك
وأنا أسأل الله المعونة والتوفيق، وأستمنحه الهداية إلى سواء الطريق؛ بمنّه وكرمه» اه كلامه بحروفه.