ولا أحبّ أن أعلّق على هذا الكلام، ولكني أقول: إني لما قرأت الكتاب- وكنت أفكر في نشره بأسفل صفحات هذا الكتاب عند مواطن النقد- لم أجد فيه ما يبعث على تحقيقه وبذل الجهد فيه.
ولم يكتف ابن أبي الحديد بهذا الكتاب، بل هو ينتهز الفرصة في شرحه على نهج البلاغة؛ فينقل كلام ابن الأثير ويعترض عليه، أسمع إليه يقول فيه (١- ٤٤١) : «وأنا أحكي ههنا كلام نصر الله بن محمد بن الأثير الجزري في كتابه المسمى بالمثل السائر في الكناية والتعريض، وأذكر ما عندي فيه» اه، ثم هو ينقل كلاما طويلا يقع في نسخة المثل السائر التي نقدمها لك اليوم في الجزء الثاني (من ١٨٠ إلى ٢٠٣) ثم يأخذ بعد ذلك في نقد كلامه نقدا يرجع إلى العبارة وإلى طريق عرضها، ولا يرجع إلى لبابها وحقيقتها، مثل أن يقول: «إنه (يعني ابن الأثير) اختار حد الكناية، وشرع يبرهن على التحديد، والحدود لا يبرهن عليها، ولا هي من باب الدعاوى التي تحتاج إلى الدولة؛ لأن من وضع لفظ الكناية لمفهوم مخصوص لا يحتاج إلى دليل، كمن وضع لفظ الجدار للحائط لا يحتاج إلى دليل» اه، وأنت- أيها القارئ- لو رجعت إلى كلام ابن الأثير وجدت كلامه يتلخص في أن القوم الذين صنفوا في علم البيان من قبله قد عرّفوا الكناية بتعريف، وأنه لا يرتضي هذا التعريف، وهو يرى تعريفها بتعريف آخر، ويرى تعريفه خيرا من تعريف السابقين؛ وهو يبين أولا ما ينطبق عليه تعريف السابقين، وما ينطبق عليه تعريفه هو؛ ثم يبرهن في أثناء ذلك على دعواه أن تعريفه خير من تعريف غيره؛ فهذا البرهان- إن صحّ أن يكون برهانا بالمعنى المعروف في علم الجدل- ليس على الحد كما زعم ابن أبي الحديد، ولكنه على دعوى ادّعاها، إن صراحة وإن ضمنا، وهي أن ما ارتضاه من التعريف خير مما ذكره المتقدمون؛ والواقع أن كتاب «الفلك الدائر» يبدو لمن يتصفحه وهو منصف أن روح التحامل هي التي أملته على مؤلفه، وأنه كتب مع رغبة ملحّة في النّيل من ابن الأثير والغضّ من عمله. وليس معنى هذا الكلام أن ابن الأثير قد أصاب في الكتاب كله، وأنه لا مطعن عليه، ولكن الذي نريد أن نقرره في