قال الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأمره بتنزيه نفسه عما تدعو إليه الشبهات، وتطلع إليه التّبعات، وأن يضبطها ضبط الحليم، ويكفّها كفّ الحكيم، ويجعل عقله سلطانا عليها، وتمييزه آمرا ناهيا لها، ولا يجعل لها عذرا إلى صبوة، ولا هفوة، ولا يطلق منها عنانا عند ثورة، لا فورة، فإنها أمّارة بالسّوء، منصبة إلى الغي؛ فمن رفضها نجا، ومن اتّبعها هوى، فالحازم متهم عند تحرك وطره وأربه واهتياج غيظه، ولا يدع أن يغضها بالشّكيم، ويعركها عرك الأديم، ويقودها إلى مصالحها بالخزائم، ويفتقدها من مقارفة المآثم والمحارم «١» ، كيما يعز بتذليلها وتأديبها، ويجلّ برياضها وتقويمها، والمفرّط [في أمر] تطمح به إذا طمحت، ويجمح معها إذا جمحت، ولا يلبث أن تورده حيث لا يصدر، وتلجئه إلى أن يعتذر، وتقيمه مقام النادم الواجم، وتتنكب به سبيل الراشد السالم، وأحق من تحلّى بالمحاسن، وتصدّى لاكتساب المحامد، من ضرب بمثل سهمه في نسب أمير المؤمنين الشريف، ومنصبه المنيف، واجتمع معه في ذؤابة العترة الطاهرة، واستظلّ بأوراق الدّوحة الفاخرة، فذلك الذي تتضاعف به المآثر إن آثرها، والمثالب إن أسفّ إليها، ولا سيما من كان مندوبا بالسياسة ومرشحا للتقليد على أهله؛ إذ ليس يفي بالصلاح لمن ولي عليه، ولا يفي بإصلاح ما بين جنبيه، ومن أعظم الهجنة عليه أن يأمر ولا يأتمر، ويزجر ولا يزدجر، قال الله تعالى جلّ ذكره:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.
وأمره أن يتصفّح أحوال من ولي عليهم: من استقراء مذاهبهم، والبحث عن بواطنهم ودخائلهم، وأن يعرف لمن تقدمت قدمه منهم وتظاهر فضله فيهم منزلته، ويوفّيه حقّه وزينته، وينتهي في إكرام جماعتهم إلى الحدود التي توجبها أنسابهم وأقدارهم، وتقتضيها مواقعهم وأخطارهم، فإنّ ذلك يلزمه لشيئين: أحدهما:
يخصه، وهو النسب الذي بينه وبينهم، والآخر: يعمه والمسلمين جميعا، وهو قول الله جل ذكره: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى