وأمره أن يراعي أمور المساجد بمدينة السلام وأطرافها، وأقطارها وأكنافها؛ وأن يجبي أموال وقفها، ويستقصي جميع حقوقها، وأن يلمّ شعثها، ويسدّ خللها، بما يتحصل من هذه الوجوه قبله، لا يزيل رسما جرى، ولا ينقض عادة كانت لها، وأن يكتب اسم أمير المؤمنين على ما يعمره منها، ويذكر اسمه بعده بأن عمارتها جرت على يده، وصلاح أداه قول أمير المؤمنين في ذلك، تنويها باسمه، وإشادة لذكره، وأن يولّي ذلك من قبله من حسنت أمانته، وظهرت عفته وصيانته؛ فقد قال الله جل من قائل: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.
وأمره أن يستخلف على ما يرى استخلافه عليه من هذه الأعمال في الأمصار الدانية والنائية والبلاد القريبة والبعيدة من يثق به من صلحاء الرجال، ذوي الوفاء والاستقلال، وأن يعهد إليهم مثل ما عهد إليه، ويعتمد عليهم مثل ما اعتمد عليه، ويستقصي في ذلك آثارهم، ويتعرّف أخبارهم؛ فمن وجده محمودا قرّبه، ومن وجده مذموما صرفه ولم يمهله، واعتاض من ترجى الأمانة عنده، وتكون الثقة معهودة منه، وأن يختار لكتابته وحجابته والتصرّف فيما قرب منه وبعد عنه من يزينه، ولا يشينه، وينصح له ولا يغشه، ويجمله ولا يهجّنه، من الطبقة المعروفة باللطف، المتصوّنة عن النّطف، ويجعل لهم من الأرزاق الكافية، والأجرة الوافية، ما يصدّهم عن المكاسب الذميمة، والمآكل الوخيمة؛ فليس تجب عليهم الحجة إلا مع إعطاء الحاجة، قال الله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
وأمره أن يكتب لمن تقوم بينته عنده وتنكشف له حجته إلى أصحاب المعارف بالشدّ على يده، واتصال حقه إليه، وحسم الطّمع الكاذب فيه، وقبض اليد الظالمة عنه؛ إذ هم مندوبون للتصرف بين أمره ونهيه، والوقوف عند رسمه وحدّه.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجته لك وعليك، قد أبان منه سبيلك، وأوضح دليلك، وهداك لرشدك، وجعلت على بينة من أمرك، فاعمل به ولا تخالفه، وانته إليه ولا تجاوزه، وإن عرض لك عارض يعجزك الوفاء به ويشتبه