طلب ولا اجتهاد، بل بصنع الله تعالى له، ومزيد المنة عليه، وبحسب ذلك لزوم ما يلزمه من شكره سبحانه على هذه العطية، والاعتداد بما فيها من المزيّة. وإعمال النفس في حيازة الفضائل والمناقب، والتّرفّع عن الرذائل والمثالب.
وأمره بإجمال النيابة عن شيخه الحسين بن موسى فيما أمره أمير المؤمنين باستخلافه عليه من النظر، والأخذ للمظلوم من الظالم، وأن يجلس للمترافعين إليه جلوسا عاما، ويتأمّل كلامهم تأملا تاما؛ فما كان منها متعلقا بالحاكم رده إليه، ليحمل الخصوم عليه، وما كان من طريقة الغشم والظلم، والتغلب والغصب، قبض عنه اليد المبطلة، وثبّت فيه اليد المستحقّة، وتحرّى في قضاياه أن تكون موافقة للعدل، ومجانبة للخذل، فإن عادة الحكام وصاحب المظالم واحدة، وهي إقامة الحق ونصرته، وإبانته وإثارته، وإنما يختلف سبيلاهما في النظر، إذ كان الحاكم يعمل بما ثبت عنده وظهر، وصاحب المظالم يفحص عما غمض واستتر، وليس له مع ذلك أن يرد للحاكم حكومة، ولا يعل له قضيّة، ولا يتعقب ما ينفذه ويمضيه، ولا يتتبّع ما يحكم به ويقضيه، والله يهديه ويوفقه، ويسدّده ويرشده.
وأمره أن يسير حجيج بيت الله عز وجل إلى مقصدهم، ويحميهم في بدأتهم وعودتهم، ويرتّبهم في مسيرهم ومسلكهم، ويرعاهم في ليلهم ونهارهم، حتى لا تنالهم شدّة، ولا تصل إليهم مضرّة، وأن يريحهم «١» في المنازل، ويوردهم المناهل، ويناوب بينهم في النّهل والعلل، ويمكنهم من الارتواء والاكتفاء، مجتهدا في الصيانة لهم، ومعذرا في الذّبّ عنهم، ومتلوّما على متأخرهم ومتخلفهم، ومنهضا لضعيفهم ومهيضهم، فإنهم حجّاج بيت الله الحرام، وزوّار قبر رسوله عليه الصلاة والسلام، قد هجروا الأهل والأوطان، وفارقوا الجيرة والإخوان، وتجشّموا المغارم الثّقال، وتعسّفوا السّهولة والجبال، يلبّون دعاء الله، ويطيعون أمره، ويؤدّون فرضه، ويرجون ثوابه، وحقيق على المسلم أن يحرسهم متبرّعا، ويحوطهم متطوعا، فكيف من تولى ذلك وضمنه، وتقلده واعتقبه؟ قال الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.