للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله عز وجل ينهى أن تزر وازرة وزر أخرى، ويرفع عن هذه الرعية ما عسى أن يكون سنّ عليها من سنة ظالمة، وسلك بها من محجة جائرة، ويستقري آثار الولاة قبله عليها، فيما أزلفوه «١» من خير أو شر إليها؛ فيقر من ذلك ما طاب وحسن، ويزيل ما خبث وقبح فإنّ من غرس الخير يحظى بمعسول ثمره، ومن زرع الشر يصلى بممرور ريعه «٢» ، والله تعالى يقول: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون.

وأمره بأن يصون مال الخراج وأثمان الغلات ووجوه الجبايات موفّرا، ويزيد ذلك مثمرا، بما يستعمله من الإنصاف لأهلها، وإجرائهم على صحيح الرسوم فيها؛ فإنه مال الله لذي به قوّة عباده، وحماية بلاده، ودرور حلبه، واتصال مدده، وبه يحاط الحريم، ويدفع العظيم، ويحمي الذّمار، ويذاد الأشرار، وأن يجعل افتتاحه إياه بحسب إدراك أصنافه، وعند حضور مواقيته وأحيانه، غير متسلف شيئا قبلها، ولا مؤخر لها عنها، وأن يخصّ أهل الطاعة والسلامة بالترقية لهم، وأهل الاستصعاب والامتناع بالتشديد عليهم؛ لئلا يقع إرهاق لمذعن، أو إهمال لطامع، وعلى المتولي لذلك أن يضع كلّا من الأمرين موضعه، ويوقعه موقعه، متجنبا إحلال الغلظة بمن لا يستحقها، وإعطاء الفسحة من ليس أهلها، والله تعالى يقول: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى.

وأمره أن يتخيّر عماله على الخراج والأعشار والضياع والجهبذة والصدقات والجوالي من أهل الظلف والنزاهة، والضبط والصيانة، والجزالة والشهامة، وأن يستظهر مع ذلك عليهم بوصية تعيها أسماعهم، وعهود يقلدها أعناقهم، بألّا يضيعوا حقّا، ولا يأكلوا سحتا، ولا يستعملوا ظلما، ولا يقارفوا غشما، وأن يقيموا العمارات، ويحتاطوا ويحترزوا من إتواء حق لازم، أو تعطيل رسم عادل، مؤدّين في جميع ذلك الأمانة، مجتنبين للخيانة، وأن يأخذوا جهابذتهم باستيفاء وزن المال على تمامه، واستجادة نقده على عياره، واستعمال الصحة في قبض ما يقبضوه،

<<  <  ج: ص:  >  >>