للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصدرك بالانشراح، ولأملك بالانفساح، وتؤمر معه بمد يدك إلى العليا لا بضمها إلى الجناح، وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السيادة، وهي التي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال إنها الحسنى وزيادة، فإذا صارت إليك فانصب لها يوما يكون في الأيام كريم الأنساب، واجعله لها عيدا وقل هذا عيد الخلعة والتقليد والخطاب.

هذا، ولك عند أمير المؤمنين مكانة تجعلك لديه حاضرا وأنت ناء عن الحضور، وتضنّ أن تكون مشتركة بينك وبين غيرك والضنة من شيم الغيور، وهذه المكانة قد عرفتك نفسها وما كنت تعرفها، وما تقول إلا أنها لك صاحبة وأنت يوسفها، فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقديمها، واعمل لها فإن الأعمال بخواتيمها.

واعلم أنك قد تقلدت أمرا تعين به نفي الحلوم، ولا ينفك صاحبه عن عهدة الملوم، وكثيرا ما يرى حسناته يوم القيامة وهي مقتسمة بأيدي الخصوم، ولا ينجو من ذلك إلا من أخذ أهبة الحذار، وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار، وعلم أن الولاية ميزان إحدى كفتيه في الجنة والأخرى في النار، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذر، إني أحبّ لك ما أحب لنفسي، لا تأمّرنّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم» ، فانظر إلى هذا القول النبوي نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال، ومثّل الدنيا وقد سيقت إليك بحذافيرها أليس مصيرها إلى زوال، والسعيد إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح لا أرب الجسوم، واتخذ منها وهي السم دواء وقد تتخذ الأدوية من السموم، وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح، وهو كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح، والله يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تباعتها التي لابستهم ولا بسوها، وأحصاها الله عليهم ونسوها، ولك أنت من هذا الدعاء حظ على قدر محلك من العناية التي جذبت بضبعك، ومحلك من الولاية التي بسطت من درعك، فخذ هذا الأمر الذي تقلدته أخذ من لم يتعقبه بالنسيان، وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان.

وملاك ذلك كله في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب، وقدر يوما منه بعبادة ستين عاما في

<<  <  ج: ص:  >  >>