الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوة في أمره، وتحصن به من عدوه ومن دهره، ثم يجاء به يوم القيامة وفي يديه كتابا أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن، ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمّة ملكه على لمة شيطانه، ومن أوكد فروضه أن تمحي السنن السيئة التي طالت مدد أيامها، ويئس الرعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدا لانحسار ظلامها، وتلك السنن هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غني للأيدي الغنية إذا كانت ذات نفوس فقيرة، وكلما زيدت الأموال الحاصلة منها قدرا زادها الله محقا، وقد استمرت عليها العوائد حتى ألحقها الظالمون بالحقوق الواجبة فسمّوها حقا، ولولا أن صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه، وهل أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب بهم بما يعلم وبما لم يحط به علما؛ وأنت مأمور بأن تأتي هذه الظلامات فتنحي على أبطالها «١» ، وتلحق أسماءها في المحو بأفعالها، حتى لا يبقى لها في العيان صور منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة، فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن الماضي سنة سوء سنتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده نهجا مسلوكا فجرى على مداه، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من لم يضق ذراعا، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينه فرآها في الآخرة متاعا، وأحمد الله تعالى على أن قيض للإمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك.
وهذه البلاد المنوطة بطرفك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد متساعدة، ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام، وأولو تدبيرات السيوف والأقلام، وكل من هؤلاء ينبغي أن يقف على باب الاختيار، ويسلط عليه شاهدا عدل من أمانة الدرهم والدينار، فما أضلّ الناس شيء كحب المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان، وكثيرا ما نرى الرجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة الأوثان، فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك فاضرب عليه بالأرصاد،