تجزم، لما اختل من فهم ذلك شيء، وكذلك الشرط لو قلت: إن تقوم أقوم، ولم تجزم، لكان المعنى مفهوما، والفضلات كلها تجري هذا المجرى، كالحال والتمييز والاستثناء، فإذا قلت: جاء زيد راكب، وما في السماء قدر راحة سحاب، وقام القوم إلا زيد، فلزمت السكون في ذلك كله، ولم تبين إعرابا؛ لما توقّف الفهم على نصب الراكب والسحاب، ولا على نصب زيد، وهكذا يقال في المجرورات، وفي المفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه، وفي المبتدإ والخبر، وغير ذلك من أقسام أخر لا حاجة إلى ذكرها.
لكن قد خرج عن هذه الأمثلة ما لا يفهم إلا بقيود تقيّده، وإنما يقع ذلك في الذي تدل صيغته الواحدة على معان مختلفة، ولنضرب لذلك مثالا يوضحه فنقول:
اعلم أن من أقسام الفاعل والمفعول ما لا يفهم إلا بعلامة كتقديم المفعول على الفاعل؛ فإنه إذا لم يكن ثم علامة تبين أحدهما من الآخر وإلا أشكل الأمر كقولك: ضرب زيد عمرو، ويكون زيد هو المضروب؛ فإنك إذا لم تنصب زيدا وترفع عمرا، وإلا لا يفهم ما أردت؛ وعلى هذا ورد قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء.
وكذلك لو قال قائل: ما أحسن زيد، ولم يبين الإعراب في ذلك، لما علمنا غرضه منه؛ إذ يحتمل أن يريد به التعجب من حسنة، أو يريد به الاستفهام عن أي شيء منه أحسن، ويحتمل أن يريد به الإخبار بنفي الإحسان عنه، ولو بيّن الإعراب في ذلك فقال: ما أحسن زيدا، وما أحسن زيد، وما أحسن زيد؛ علمنا غرضه، وفهمنا مغزى كلامه؛ لانفراد كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة بما يعرف به من الإعراب؛ فوجب حينئذ بذلك معرفة النحو؛ إذ كان ضابطا لمعاني الكلام، حافظا لها من الاختلاف.
وأول من تكلم في النحو أبو الأسود الدّؤلي، وسبب ذلك أنه دخل على ابنة له بالبصرة فقالت له: يا أبت ما أشدّ الحر، متعجبة، ورفعت أشد، فظنها مستفهمة، فقال: شهر ناجر؛ فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك! فأتى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، ذهبت لغة العرب،