للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحلّ، فقال له: وما ذاك؟ فأخبره خبر ابنته، فقال: هلمّ صحيفة، ثم أملى عليه «الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى» ثم رسم له رسوما فنقلها النحويون في كتبهم.

وقيل: «إن أبا الأسود دخل على زياد ابن أبيه بالبصرة فقال: إني أرى العرب قد خالطت العجم، وتغيرت ألسنتها، أفتأذن لي أن أصنع ما يقيمون به كلامهم؟

فقال: لا، فقام من عنده، ودخل عليه رجل فقال: أيها الأمير، مات أبانا، وخلّف بنون، فقال زياد: مات أبانا وخلف بنون!! مه، ردّوا عليّ أبا الأسود. فردّوه، فقال له: اصنع ما كنت نهيتك عنه، فوضع شيئا.

ثم جاء بعده ميمون الأقران فزاد عليه، ثم جاء بعده عنبسة بن معدان المهري، فزاد عليه، ثم جاء بعده عبد الله بن أبي إسحق الحضرمي، وأبو عمرو بن العلاء، فزادا عليه، ثم جاء بعدهما الخليل بن أحمد الأزديّ، وتتابع الناس، واختلف البصريون والكوفيون في بعض ذلك.

فهذا ما بلغني من أمر النحو في أول وضعه، وكذلك العلوم كلها: يوضع منها في مبادي أمرها شيء يسير، ثم يزاد بالتدريج إلى أن يستكمل آخرا.

فإن قيل: أما علم النحو فمسلّم إليك أنه تجب معرفته، لكن التصريف لا حاجة إليه؛ لأن التصريف إنما هو معرفة أصل الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، وهذا لا يضرّ جهله، ولا تنفع معرفته، ولنضرب لذلك مثالا كيف اتفق، فنقول: إذا قال القائل: رأيت سرداحا «١» ، لا يلزمه أن يعرف الألف في هذه الكلمة زائدة هي أم أصليه؛ لأن العرب لم تنطق بها إلا كذلك، ولو قالت سردحا، بغير ألف، لما جاز لأحد أن يزيد الألف فيها من عنده فيقول سرداحا، فعلم بهذا أنه إنما ينطق الألفاظ

<<  <  ج: ص:  >  >>