وقد أجاز بعضهم أن يكون أحد ألفاظ الفصل الأول مخالفا لما يقابله من الفصل الثاني، وهذا ليس بشيء؛ لمخالفته حقيقة الترصيع.
فمما جاء من هذا النوع منثورا قول الحريري في مقاماته:«فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه» ؛ فإنه جعل ألفاظ الفصل الأول مساوية لألفاظ الفصل الثاني وزنا وقافية؛ فجعل يطبع بإزاء يقرع، والأسجاع بإزاء الأسماع، وجواهر بإزاء زواجر، ولفظه بإزاء وعظه.
ومما جاءني من هذا النوع ما ذكرته في جواب كتاب إلى بعض الإخوان، وهو: قد أعدت الجواب ولم أستعر له نظما ملفّقا، ولا جلبت إليه حسنا منمّقا، بل أخرجته على رسله، وغنيت بصقال حسنه عن صقله، فجاء كما تراه غير ممشوط ولا مخطوط، فهو يرفل في أثواب بذلته، وقد حوى الجمال بجملته، والحسن ما وشته فطرة التصوير، لا ما حشته فكرة التزوير.
والترصيع في قولي:«وشته فطرة التصوير» و «حشته فكرة التزوير» .
وكذلك ورد قولي في فصل من الكلام يتضمن تثقيف الأولاد؛ فقلت: من قوّم أود أولاده، ضرّم كمد حسّاده؛ فهذه الألفاظ متكافئة في ترصيعها، فقوّم بإزاء ضرّم، وأود بإزاء كمد، وأولاده بإزاء حساده.
وكذلك قول بعضهم في الأمثال المولدة التي لم ترد عن العرب، وهو: من أطاع غضبه أضاع أدبه؛ فأطاع بإزاء أضاع، وغضبه بإزاء أدبه.