وقد ورد هذا الضرب كثيرا في الخطب التي أنشأها الشيخ الخطيب عبد الرحيم بن نباتة رحمه الله:
فمن ذلك قوله في أول خطبة: الحمد لله عاقد أزمّة الأمور بعزائم أمره، وحاصد أئمة الغرور بقواصم مكره، وموفّق عبيده لمغانم ذكره، ومحقّق مواعيده بلوازم شكره؛ فالألفاظ التي جاءت في الفصلين الأولين متساوية وزنا وقافية، والتي جاءت في الفصلين الآخرين فيها تخالف في الوزن؛ فإن مواعيد تخالف وزن عبيد، ولا تخالف قافيتها التي هي الدال.
ومن ذلك قوله أيضا في جملة خطبة: أولئك الذين أفلوا فنجمتم، ورحلوا فأقمتم، وأبادهم الموت كما علمتم، وأنتم الطامعون في البقاء بعدهم كما زعمتم، كلا! والله ما أشخصوا لتقروا، ولا نغّصوا لتسرّوا، ولا بد أن تمروا حيث مروا، فلا تثقوا بخدع الدنيا ولا تغتروا؛ وهذا الكلام فيه أيضا ما في الذي قبله من صحة الوزن والقافية وصحة القافية دون الوزن.
وكذلك قوله أيضا في خطبة أخرى: أيها الناس، أسيموا القلوب في رياض الحكم، وأديموا النّحيب على ابيضاض اللّمم، وأطيلوا الاعتبار بانتقاص النعم، وأجيلوا الأفكار في انقراض الأمم.
وأما ما ورد في الشعر على مخالفة بعض الألفاظ بعضا فكقول ذي الرمة «١» :
كحلاء في برج صفراء في دعج ... كأنّها فضّة قد مسّها ذهب «٢»
وصدر هذا البيت مرصع، وعجزه خال من الترصيع؛ وعذر الشاعر في ذلك واضح؛ لأنه مقيد بالوقوف مع الوزن والقافية، ألا ترى أن ذا الرمة بنى قصيدته على