وعلى هذا فإن الفرق بينه وبين المعاظلة أن المعاظلة هي التراكب والتداخل إما في الألفاظ أو في المعاني، على ما أشرت إليه، وهذا النوع لا تراكب فيه، وإنما هو إيراد ألفاظ غير لائقة بموضعها الذي ترد فيه.
وهو ينقسم قسمين: أحدها: يوجد في اللفظة الواحدة، والآخر: في الألفاظ المتعددة.
فأما الذي يوجد في اللفظة الواحد فإنه إذا أورد في الكلام أمكن تبديله بغيره مما هو في معناه، سواء كان ذلك نثرا أو نظما.
وأما الذي يوجد في الألفاظ المتعددة فإنه لا يمكن تبديله بغيره في الشعر، بل يمكن ذلك في النثر خاصة؛ لأنه يعسر في الشعر من أجل الوزن.
فمما جاء من القسم الأول قول أبي الطيب المتنبي «١» :
فلا يبرم الأمر الّذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الّذي هو يبرم
فلفظة «حالل» نافرة عن موضعها، وكانت له مندوحة عنها؛ لأنه لو استعمل عوضا عنها لفظة «ناقض» فقال:
فلا يبرم الأمر الّذي هو ناقض ... ولا ينقض الأمر الّذي هو يبرم
لجاءت اللفظة قارّة في مكانها، غير قلقة ولا نافرة.
وبلغني عن أبي العلاء بن سليمان المعرّي أنه كان يتعصّب لأبي الطيب، حتى إنه كان يسميه «الشاعر» ويسمي غيره من الشعراء باسمه، وكان يقول: ليس في شعره لفظة يمكن أن يقوم عنها ما هو في معناها فيجيء حسنا مثلها؛ فيا ليت شعري أما وقف على هذا البيت المشار إليه، لكن الهوى كما يقال أعمى؛ وكان أبو العلاء أعمى العين خلقة وأعماها عصبيّة، فاجتمع له العمى من جهتين.