وهذه اللفظة التي هي «حالل» وما يجري مجراها قبيحة الاستعمال، وهي فكّ الإدغام في الفعل الثلاثي، ونقله إلى اسم الفاعل، وعلى هذا فلا يحسن أن يقال:
بلّ الثوب فهو بالل، ولا سلّ السيف فهو سالل، ولا أن يقال: همّ بالأمر فهو هامم، ولا خطّ الكتاب فهو خاطط، ولا حنّ إلى كذا فهو حانن، وهذا لو عرض على من لا ذوق له لأدركه وفهمه، فكيف من له ذوق صحيح كأبي الطيب، لكن لا بد لكل جواد من كبوة.
وأنشد بعض الأدباء بيتا لدعبل، وهو:
شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فقلت له: عجز هذا البيت حسن، وأما صدره فقبيح؛ لأنه سبكه قلقا نافرا، وتلك الفاء التي في قوله:«شفيك فاشكر» كأنها ركبة البعير، وهي في زيادتها كزيادة الكرش، فقال: لهذه الفاء في كتاب الله أشباه، كقوله تعالى:«يا أيها المدثر.
قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر»
فقلت له: بين هذه الفاء وتلك الفاء فرق ظاهر يدرك بالعلم، أولا، وبالذوق ثانيا؛ أما العلم فإن الفاء في (وربك فكبر وثيابك فطهر) هي الفاء العاطفة؛ فإنها واردة بعد (قم فأنذر) وهي مثل قولك: امش فأسرع، وقل فأبلغ، وليست الفاء التي في «شفيعك فاشكر» كهذه الفاء؛ لأن تلك زائدة لا موضع لها، ولو جاءت في السورة كما جاءت دعبل- وحاش لله من ذلك- لابتدئ الكلام، فقيل: ربك فكبر وثيابك فطهر؛ لكنها لما جاءت بعد (قم فأنذر) حسن ذكرها فيما يأتي بعدها (وربك فكبر وثيابك فطهر) ؛ وأما الذوق فإنه ينبو عن الفاء الواردة في قول دعبل ويستثقلها، ولا يوجد ذلك في الفاء الواردة في السورة، فلما سمع ما ذكرته أذعن بالتسليم.
ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظما كان أو نثرا لا يتفطن لها إلا الراسخ في علم الفصاحة والبلاغة.
ومن هذا القسم وصل همزة القطع، وهو محسوب من جائزات الشعر التي لا تجوز في الكلام المنثور، وكذلك قطع همزة الوصل، لكن وصل همزة القطع أقبح؛ لأنه أثقل على اللسان.