الأول: أنه قال: «هذا بيت من الاستعارة الوسطى التي ليست بجيدة ولا رديئة» ثم جعلها استعارة مبنية على استعارة أخرى، وعنده أن الاستعارة المبنية على الاستعارة من أبعد الاستعارات، وذاك أنه قسّم الاستعارة إلى قسمين: قريب مختار، وبعيد مطّرح، فالقريب المختار: ما كان بينه وبين ما استعير له تناسب قوي وشبه واضح، والبعيد المطّرح: إما أن يكون لبعده مما استعير له في الأصل، أو لأنه استعارة مبنية على استعارة أخرى؛ فيضعف لذلك؛ هذا ما ذكره ابن سنان الخفاجي في تقسيم الاستعارة، وإذا كانت الاستعارة المبنية على استعارة أخرى عنده بعيدة مطّرحة فكيف جعلها وسطا؟ هذا تناقض في القول.
الوجه الثاني: أنه لم يأخذ على الآمدي في موضع الأخذ؛ لأنه لم يختر إلا ما حسن اختياره، وذاك أن حدّ الاستعارة على ما رآه الآمدي وابن سنان هو نقل المعنى من لفظ إلى لفظ بسبب مشاركة بينهما، وإن كان المذهب الصحيح في حد الاستعارة غير ذلك، على ما تقدم الكلام عليه، ولكني في هذا الموضع أنزل معهما على ما رأياه حتى يتوجّه الكلام على الحكم بينهما في بيت امرئ القيس، وإذا حددنا الاستعارة بهذا الحدّ فبه يفرق على رأي ابن سنان بين الاستعارة المرضية والاستعارة المطرحة؛ فإذا وجدنا استعارة في كلام ما عرضناها على هذا الحد؛ فما وجدنا فيه مناسبة بين المنقول عنه والمنقول إليه حكمنا له بالجودة، وما لم نجد فيه تلك المناسبة حكمنا عليه بالرداءة، وبيت امريء القيس من الاستعارات المرضية؛ لأنه لو لم يكن لليل صدر أعني أوّلا ولم يكن له وسط وآخر لما حسنت هذه الاستعارة، ولمّا كان الأمر كذلك استعار لوسطه صلبا وجعله متمطيّا واستعار لصدره المتثاقل- أعني أوّله- كلكلا وجعله نائيا، واستعار لآخره عجزا وجعله رادفا لوسطه؛ وكل ذلك من الاستعارة المناسبة.
وأما قول ابن سنان الخفاجي:«إن الاستعارة المبنية على استعارة أخرى بعيدة مطرحة» فإن في هذا القول نظرا، وذاك أنه قد ثبت لنا أصل نقيس عليه في الفرق بين الاستعارة المرضية والمطّرحة، كما أريناك، ولا يمنع ذلك من أن تجيء استعارة مبنية على استعارة أخرى وتوجد فيها المناسبة المطلوبة في الاستعارة المرضية فإنه قد ورد في القرآن الكريم ما هو من هذا الجنس، وهو قوله تعالى: