«وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف»
؛ فهذه ثلاث استعارات ينبني بعضها على بعض؛ فالأولى: استعارة القرية للأهل، والثانية: استعارة الذّوق للباس، والثالثة:
استعارة اللباس للجوع والخوف، وهذه الاستعارات الثلاث من التناسب على ما لا خفاء به، فكيف يذمّ ابن سنان الخفاجي الاستعارة المبنية على استعارة أخرى؟ وما أقول إن ذلك شذ عنه، إلا لأنه لم ينظر إلى الأصل المقيس عليه، وهو التناسب بين المنقول عنه والمنقول إليه، بل نظر إلى التقسيم الذي هو قسّمه في القرب أو البعد، ورأى أن الاستعارة المبنية على استعارة أخرى تكون بعيدة، فحكم عليها بالاطّراح، وإذا كان الأصل إنما هو التناسب فلا فرق بين أن يوجد في استعارة واحدة أو في استعارة مبنية على استعارة، ولهذا أشباه ونظائر في غير الاستعارة، ألا ترى أن المنطقيّ في المقدمة والنتيجة: كل إنسان حيوان، وكل حيوان نام، فكل إنسان نام، وكذلك يقول المهندس في الأشكال الهندسية: إذا كان خط أب مثل خط بج، وخط بج مثل خط جد؛ فخط أب مثل خط جد، وهكذا أقول أنا في الاستعارة: إذا كانت الاستعارة الأولى مناسبة ثم بنى عليها استعارة ثانية وكانت أيضا مناسبة فالجميع متناسب، وهذا أمر برهاني لا يتصور إنكاره.
وهذا الشكل الذي أوردته ههنا هو اعتراض على ما ذكره ابن سنان الخفاجي في الاستعارة، فلا تظن أني موافقه في الأصل، وإنما وافقته قصدا لتبيين وجه الخطأ في كلامه، وكيف يسوغ لي موافقته، وقد ثبت عندي بالدليل أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له؟.