لدين الله، فلما وقفت على ذلك الكتاب وجدته كتابا حسنا قد أجاد فيه كل الإجادة، ولم أجد فيه مغمزا إلا في هذا الفصل الذي يتضمن حديث اللقب، فإنه لم يأت بكلام يناسب باقي الفصول المذكورة، بل أتى فيه بكلام فيه غثاثة، كقوله:
ما يستصلحه المولى فهو على عبده حرام، وشيئا من هذا النّسق، وكان الأليق والأحسن أن يحتجّ بحجة فيها روح، ويذكر كلاما فيه ذلاقة ورشاقة.
وحضر عندي في بعض الأيام بعض إخواني، وجرى حديث ذلك، فسألني عما كان ينبغي أن يكتب في هذا الفصل، فذكرت ما عندي، وهو: قد علم أن للأنبياء والخلفاء خصائص يختصون بها على حكم الانفراد، وليس لأحد من الناس أن يشاركهم فيها مشاركة الأنداد، وقد أجرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك في أشياء نصّ عليها بحكمه، ومن جملتها أنه نهى غيره أن يجتمع بين كنيته وبين اسمه، وهذا مسوغ لأمير المؤمنين أن يختص بأمر يكون به مشهورا، وعلى غيره محظورا، وقد وسم نفسه بسمة نزلت عليه من السماء، وتميزت به من بين المسميات والأسماء، ثم استمرت عليها الأيام حتى خوطب بها من الحاضر والباد، ورفعها الخطباء على المنابر في أيام الجمع ومواسم الأعياد، وقد شاركته أنت فيها غير مراقب لمزية التعظيم، ولا فارق بين فسحة التحليل «١» وحرج التحريم «٢» ، والشرع والأدب يحكمان عليك بأن تلقى ما فرط منك بالمتاب، ولا تحوج فيه إلى التقريع الذي هو أشد العتاب، ومثلك من عرف الحق فأمسكه بيده، ونسخ إغفال أمسه باستئناف التيقظ في غده، والله قد رفع المؤاخذة عمن أتى الشيء خطأ لا عمدا، وقبل التوبة ممن أخذ على نفسه بالإخلاص عهدا.
فانظر أيها المتأمل كيف جئت بالخبر النبوي، وجعلته شاهدا على هذا الموضع؟ ولا يمكن أن يحتج في مثل ذلك إلا بمثل هذا الاحتجاج، وما أعلم كيف شذ عن ابن زياد أن يأتي به مع أنه كان كاتبا مفلقا أرتضي كتابته، ولم أجد في متأخري العراقيين من يماثله في هذا الفن.