للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيطان على حقها بباطله وعلى صدقها بغويته «١» ، ثم طوتها الليالي طيّ السجل للكتاب، وكثر عليها مرور الدهر حتى نسي لها عدد السنين والحساب، ولم يعدها إلى وطنها حتى تغربت لها الأرواح عن أوطانها، وسهرت لها أجفان السيوف سهر العيون عن أجفانها، وتطاردت الآراء في تسهيل أمرها قبل مطاردة أقرانها، وحتى تقدمتها غربات ثلاث كلها ذوات غروب «٢» ، وكل خطب من خطوبها ذو خطوب، إلى أن تمخض ليلها عن صبحه، وأصبحت في الإسلام في الإسلام كعام حديبيته وعمرة قضائه وعام فتحه، وفي ذكر أخبارها ما يطبع الأسنّة في رءوس الأقلام، ويرهب سامعها، ولم ينله شيء من مكروهها سوى الكلام، ويومها للدولة هو اليوم الذي أرّخ فيه معاد «٣» نصرها، وميعاد بشرها، فإذا عدّت لياليها السالفة كانت كسائر الليالي وهذه ليلة قدرها.

فهذا فصل من فصول الكتاب؛ فانظر كيف ماثلت بين الفتح المصري وفتح مكة؟ وذكرت أيضا حديث الحباب بن المنذر الأنصاري حيث قال بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم: منّا أمير ومنكم أمير؛ وذلك لما حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة، والقصة مشهورة، فقال الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بل نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الذي ذكرته هو نكتة هذا الفتح التي عليها المعول، ومركزه الذي عليه يدور، وعجبت من عبد الرحيم بن علي البيساني- مع تقدمه في فن الكتابة- كيف فاته أن يأتي به في الكتاب الذي كتبه.

وكذلك وجدت لابن زياد البغدادي كتابا كتبه إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف المقدم ذكره في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وضمنه فصولا تشتمل على أمور أنكرت عليه من ديوان الخلافة، فمن تلك الأمور التي أنكرت عليه أنه تلقب بالملك الناصر، وذلك اللقب هو لأمير المؤمنين خاصة، فإنه الإمام الناصر

<<  <  ج: ص:  >  >>