للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا ورد قول تأبّط شرّا «١» :

بأبّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصّحيفة صحصحان «٢»

فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران «٣»

فإنه قصد أن يصوّر لقومه الحال التي تشجّع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها مشاهدة، للتعجب من جراءته على ذلك الهول، ولو قال فضربتها عطفا على الأول لزالت هذه الفائدة المذكورة.

فإن قيل: إن الفعل الماضي أيضا يتخيّل منه السامع ما يتخيله من المستقبل قلت في الجواب: إن التخيل يقع في الفعلين معا، لكنه في أحدهما- وهو المستقبل- أوكد وأشد تخيلا؛ لأنه يستحضر صورة الفعل حتى كأن السامع ينظر إلى فاعلها في حال وجود الفعل منه، ألا ترى أنه لما قال تأبط شرا «فأضربها» تخيل السامع أنه مباشر للفعل، وأنه قائم بإزاء الغول، وقد رفع سيفه ليضربها، وهذا لا يوجد في الفعل الماضي؛ لأنه لا يتخيل السامع منه إلا فعلا قد مضى من غير إحضار للصورة في حالة سماع الكلام الدال عليه، وهذا لا خلاف فيه، وهكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>