للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق النسل عطفه بثم؛ لما بينهما التراخي، وحيث صار إلى التقدير الذي يتبع بعضه بعضا من غير تراخ عطفه بالفاء، ولما انتهى إلى جعله ذكرا أو أنثى- وهو آخر الخلق- عطفه بثم.

فإن قيل: إنه قد عطف المضغة على العلقة في هذه الآية بالفاء، وفي أخرى بثم، وهي قوله تعالى: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة.

فالجواب عن ذلك «١» .

واعلم أن في حروف العطف موضعا تلتبس [فيه] الفاء بالواو، وهو موضع يحتاج فيه إلى فضل تأمل، وذلك أن فعل المطاوعة لا يعطف عليه إلا بالفاء، دون الواو، وقد يجيء من الأفعال ما يلتبس بفعل المطاوعة، ويعطي ظاهره أنه كذلك إلا أن معناه يكون مخالفا لمعنى فعل المطاوعة فيعطف حينئذ بالواو؛ لا بالفاء، كقوله تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه

فقوله: أغفلنا قلبه

ههنا بمعنى صادفناه غافلا، وليس منقولا عن غفل حتى يكون معناه صددناه؛ لأنه لو كان كذلك لكان معطوفا عليه بالفاء، وقيل: فاتبع هواه، وذلك أنه يكون مطاوعا، وفعل المطاوعة لا يعطف إلا بالفاء، كقولك: أعطيته فأخذ أو دعوته فأجاب، ولا تقول: أعطيته وأخذ، ولا دعوته وأجاب، كما لا يقال: كسرته وانكسر. وكذلك لو كان معنى أغفلنا في الآية صددنا ومنعنا لكان معطوفا عليه بالفاء، وكان يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه، فلما لم يكن كذلك وكان العطف عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>