بالواو؛ فطريقة أنه لما قال: أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه
أن يكون معناه وجدناه غافلا؛ فقد غفل لا محالة؛ فكأنه قال: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه: أي لا تطع من فعل كذا وكذا، يعدّد أفعاله التي توجب ترك طاعته، فاعرف ذلك.
وأما حروف الجر فإن الصواب يشذ عن وضعها في مواضعها، وقد علم أن «في» للوعاء، و «على» للاستعلاء، كقولهم: زيد في الدار، وعمرو على الفرس، لكن إذا أريد استعمال ذلك في غير هذين الموضعين مما يشكل استعماله عدل فيه عن الأولى.
فمما ورد منه قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين
ألا ترى إلى بداعة هذا المعنى المقصود لمخالفة حرفي الجر ههنا؛ فإنه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق والباطل لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء، وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه لا يدري أين يتوجه، وهذا معنى دقيق قلما يراعى مثله في الكلام، وكثيرا ما سمعت إذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من الأمور؛ فيقول له: أنت على ضلالك القديم كما أعهدك، فيأتي بعلى في موضع في، وإن كان هذا جائزا، إلا أنّ استعمال «في» ههنا أولى؛ لما أشرنا إليه، ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة يوسف: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم.
ومن هذا النوع قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
فإنه إنما عدل عن اللام إلى «في» في الثلاثة الأخيرة للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام؛ لأن «في» للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات كما يوضع الشيء في الوعاء، وأن يجعلوا مظنة لها، وذلك لما في فك الرقاب وفي الغرم من التخلص، وتكرير «في» في قوله: وفي سبيل