للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقع لأكثرهم حتى يقال في ذكر الحرب: التقى الجمعان، وتطاعن الفريقان، واشتد القتال، وحمي النضال، وما جرى هذا المجرى.

والمذهب عندي في ذلك ما أذكره، وهو أن فهم العامة ليس شرطا معتبرا في اختيار الكلام؛ لأنه لو كان شرطا لوجب على قياسه أن يستعمل في الكلام الألفاظ العامية المبتذلة عندهم؛ ليكون ذلك أقرب إلى فهمهم؛ لأن العلة في اختيار تطويل الكلام إذا كانت فهم العامة إياه فكذلك تجعل تلك العلة بعينها في اختيار المبتذل من الكلام؛ فإنه لا خلاف في أن العامة إلى فهمه أقرب من فهم ما يقل ابتذالهم إياه، وهذا شيء مدفوع، وأما الذي يجب توخّيه واعتماده فهو أن يسلك المذهب القويم في تركيب الألفاظ على المعاني، بحيث لا تزيد هذه على هذه، مع الإيضاح والإبانة، وليس على مستعمل ذلك أن يفهم العامة كلامه؛ فإن نور الشمس إذا لم يره الأعمى لا يكون ذلك نقصا في استنارته، وإنما النقص في بصر الأعمى حيث لم يستطع النظر إليه:

عليّ نحت القوافي من معادنها ... وما عليّ بأن لا تفهم البقر

وحيث انتهى بنا القول إلى هذا الموضع فلنرجع إلى ما هو غرضنا ومهمنا من الكلام على الإيجاز، وحدّه وأقسامه، ونوضح ذلك إيضاحا جليا، والله الموفق للصواب.

فنقول: حدّ الإيجاز هو دلالة اللفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه، والتطويل هو ضد ذلك، وهو أن يدلّ المعنى بلفظ يكفيك بعضه في الدلالة عليه، كقول الهجير السّلولي من أبيات الحماسة «١» :

طلوع الثّنايا بالمطايا وسابق ... إلى غاية من يبتدرها يقدّم «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>